أبوظبي تبعد موظفي القنصلية السودانية وسط تصاعد الأزمة الدبلوماسية

في تطورٍ جديدٍ يشعل التوتر في العلاقات الإماراتية – السودانية، أعلنت الخرطوم رسمياً في مايو 2025 عن إبعاد أغلب موظفي القنصلية السودانية في أبوظبي بدون تبرير واضح من الجهات الإماراتية. هذه الخطوة تأتي في سياق أزمة دبلوماسية متفاقمة بدأت بعد أن قطعت الخرطوم علاقاتها مع أبوظبي، متهمة الإمارات بدعم قوات الدعم السريع (RSF) في صراعها مع الجيش منذ أبريل 2023، وهو ما رفضته أبوظبي بشدة، واصفة القرار السوداني بأنه غير مشروع .
بحسب بيان رسمي صادر عن وزارة الخارجية السودانية، تم إخضاع الدبلوماسيين للتحقيق عند مطار دبي الدولي، حيث تم احتجازهم لثماني ساعات، وتفتيش هواتفهم المحمولة وأجهزة الحاسوب المحمولة، في “خرق صارخ” للاتفاقيات الدولية حول الحصانة والحماية الدبلوماسية . وحملت الخرطوم الجانب الإماراتي مسؤولية ما وصفته بـ“الاعتداء على موظفين مدنيين” أثناء قيامهم بمهام رسمية، ما يزيد من تسارع الأزمة ويعمق من قدر التوتر بين الطرفين.
خلفيات الأزمة تكمن في الاتهامات المتبادلة حول دعم كل جهة للطرف الآخر. الخرطوم اتهمت الإمارات بشكل مباشر بإمداد RSF بأسلحة متقدمة، ساعدتها في توجيه ضربات على مواقع حكومية منها مطار ميناء السودان ومرافق أساسية في بورتسودان . الإمارات نفت تلك الاتهامات مراراً، وأكدت أنها تمسكت بدور الوساطة والدعوة للحوار، كما شددت على أن ما قدمته من دعم إنساني كان شفافاً وتلقائياً، لا يحمل أبعاداً عسكرية .
في المقابل، رفعت السودان قضيتي عدوان اثنين: الأول أمام محكمة الجنائية الدولية لإثبات تورط RSF في جرائم إبادة في دارفور، مدعياً أن تورط الإمارات في دعم RSF يضعها شريكاً في تلك الجرائم. والثاني قُدم لمحكمة العدل الدولية بدعوى انتهاك الإمارات لاتفاقية منع الإبادة الجماعية عبر تسليح المليشيات، لكن المحكمة رفضت القضية لعدم الاختصاص القضائي .
قرار الإمارات بإبعاد طاقم القنصلية ورد فعلها الرافض لتصريحات الخرطوم جاء بعد إعلان السودان قطعه العلاقات الدبلوماسية كلّياً، وإعلان الإمارات أن الحكومة السودانية من وجهة نظرها لا تمثل السلطة الشرعية في الخرطوم . واعتبر مراقبون أن هذه المواجهة دبلوماسية تصل جذورها إلى الخلاف حول كيفية إدارة الحرب في السودان وتأثير الحلفاء الإقليميين.
من الناحية الشعبية في السودان، أثار قرار الإبعاد ردود فعل قوية. شكّل تصعيدًا ممنهجًا ضد قنصلية تمثل صوت السودان داخل الإمارات، مما دفع ناشطين إلى نعت أبوظبي بأنها “دولة معادية” وارتكابها انتهاكًا للسيادة السودانية . بالمقابل، وجد آخرون في هذه الخطوة فرصة لإعادة ترتيب أولويات العلاقات الخارجية، والدفع نحو سياسة عسكرية+اقتصادية تحصّن البلاد من أي تدخل أجنبي .
على المستوى الإقليمي، بدأت دول مثل إثيوبيا ومصر تتحضّر لاحتضان وساطة تهدف لإعادة فتح قنوات الحوار. كما دعت منظمات إقليمية ودولية إلى ضبط النزاع، وأوصت بتقييم تدابير ثنائية تؤثر على المصالح المشتركة، خاصة بميناء بورتسودان واستعادة تدفقات النفط والمساعدات الإنسانية . وأعلنت الإمارات عن استمرار دعمها لمشاريع المساعدات الإنسانية بصفة مستقلة، وأشارت إلى أنها لا تزال ملتزمة بتخفيف معاناة المدنيين في السودان.
بينما يزداد التوتر، لا تستبعد الخرطوم مناورات اقتصادية مضادة، مثل مطالبة بسحب استثمارات إماراتية، وتقليل استخدام النفط المهرب عبر التهريب، ما قد يضيف بُعدًا اقتصاديًا للأزمة. وفي حال تطور الأمر، قد تؤثر الأزمة سلباً على السودانيين المقيمين أو العاملين داخل الإمارات، مما يدفع الجهات المسؤولة إلى تبادل بيانات رسمية لحماية الرعايا.
في هذا النقاش، يبقى السؤال: هل تجاوزت القضية الأزمة المعقّدة بين الدولتين؟ نعم، إذا انتقل الوضع إلى حرب دبلوماسية موسعة تشمل تجميد الاستثمارات والتدخلات الإقليمية. لا، إذا كانت الوساطة قادرة على إعادة فتح ملف العلاقات تدريجيًا، بإطار يضمن مصالح الطرفين ويمسّ التكامل الإنساني والاقتصادي الذي تميزت به هذه العلاقة تاريخياً .
الخلاصة النهائية:
قرار الإمارات بإبعاد موظفي القنصلية السودانية هو تصعيد واضح من شأنه أن يفسد قنوات التواصل الرسمية ويضر بالمصالح المشتركة.
الاتهامات المتبادلة بشأن دعم RSF والهجمات على البنى التحتية تزيد من حدة الأزمة، لكن الوساطات الإقليمية قد تتمكن من ترشيد التحرك نحو الحل.
أي قرار مقاطعة اقتصادية أو تعديل في اتفاقيات النفط قد يوسع نطاق الضرر خارج الدبلوماسية وحدها.
الأمل يبقى في حوار متوازن، بعيد عن لغة التصعيد، يعيد العلاقات الإماراتية-السودانية إلى حالة استقرار تحفظ للأطراف سيادتها ومصالحها.