الخيار السوري – الإسرائيلي في باريس: من تكتيك تهدئة إلى تمهيد التقارب؟

في باريس، يوم 24 يوليو 2025، انعقد لقاء غير مسبوق بين وفدين سوري وإسرائيلي، بحضور أمريكي ورعاية فرنسية، ليكون الأول من نوعه منذ أكثر من ربع قرن. هذا الاجتماع، الذي تم بعيدًا عن الأضواء، لم يكن مجرد اجتماع أمني تقني، بل محطة سياسية تحمل في طياتها احتمالات لتغييرات استراتيجية في معادلات المنطقة.
🕊️ من هو أحمد الشعار؟
أحمد الشعار، الرئيس المؤقت للحكومة السورية الانتقالية، جاء إلى السلطة بعد سقوط نظام بشار الأسد في انقلاب عسكري مفاجئ في ديسمبر 2024. قبل توليه الرئاسة، كان الشعار قائدًا للقوات الجنوبية التي لعبت دورًا بارزًا في الإطاحة ببقايا النظام. عرف ببراغماتيته ورغبته في الانفتاح على القوى الإقليمية والدولية لإعادة بناء سوريا، لكنه يواجه تحديات داخلية وخارجية هائلة، بدءًا من الفصائل المسلحة وصولًا إلى النفوذ الإيراني والروسي.
🌍 خلفيات الاجتماع وسياقه الإقليمي
جاء الاجتماع في ظل تصاعد التوتر في منطقة السويداء الجنوبية، حيث شهدت الأسابيع الأخيرة اشتباكات عنيفة بين جماعات محلية درزية وقبائل بدوية مسلحة، تزامنًا مع ضربات جوية إسرائيلية استهدفت مواقع مرتبطة بإيران. في ظل هذا المشهد، كان هناك إدراك متبادل بأن استمرار التصعيد قد يقود إلى انفجار إقليمي يصعب احتواؤه.
من جانب آخر، تشهد المنطقة تحركات أمريكية لإعادة رسم ملامح النفوذ بعد انحسار الدور الروسي بسبب الحرب في أوكرانيا، وعودة واشنطن بقوة إلى ملفات الشرق الأوسط، خصوصًا الملف السوري والإسرائيلي.
🗣️ تفاصيل ما دار في باريس
وفقًا لتسريبات دبلوماسية، تركزت المباحثات على ثلاث نقاط أساسية:
- وقف التصعيد في السويداء عبر ترتيبات أمنية تشمل انسحاب بعض الفصائل المسلحة من نقاط الاحتكاك.
- ضمان حماية الأقليات، خصوصًا المجتمع الدرزي، وتوفير ممرات آمنة لإيصال المساعدات الإنسانية.
- إطلاق مسار تفاوضي تدريجي قد يتطور مستقبلًا إلى تفاهمات سياسية واقتصادية أوسع.
شارك في الاجتماع وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر ووزير الخارجية السوري عصاد الشيباني، بحضور المبعوث الأمريكي توم باراك، الذي لعب دور الوسيط النشط.
📌 الرسائل المتبادلة والدلالات السياسية
بعث الوفد السوري برسالة واضحة مفادها أن أي تهدئة مشروطة بالاعتراف بسيادة سوريا على أراضيها، ووقف الانتهاكات الإسرائيلية. في المقابل، شدد الجانب الإسرائيلي على حماية الأقليات الدرزية وضمان عدم عودة النشاط الإيراني قرب الحدود. فرنسا من جهتها ربطت أي تخفيف للعقوبات الأوروبية بالتزام دمشق بحماية الأقليات واستقرار الجنوب.
🔍 مناطق الخطر والفرص المحتملة
تشكل السويداء بؤرة حساسة نظرًا لتداخل العوامل الطائفية والجغرافية والسياسية فيها. تتواجد فيها قوات معارضة متعددة، إلى جانب خلايا مرتبطة بـ HTS، بالإضافة إلى نفوذ إيراني متنامٍ. في المقابل، يشكل التوصل إلى تهدئة هناك فرصة لإعادة اللاجئين، وترميم البنية التحتية، وفتح الباب أمام استثمارات أوروبية مشروطة بالإصلاحات.
👥 المواقف العربية والدولية
ردود الأفعال تراوحت بين الحذر والترقب:
- السعودية رحبت ضمنيًا بأي تهدئة لكنها أكدت رفضها لأي تطبيع غير مدروس.
- مصر شددت على موقفها الثابت بعدم الاعتراف الرسمي بإسرائيل، مع دعم وقف الأعمال العسكرية.
- إيران اعتبرت اللقاء محاولة لعزلها عن الملف السوري، وأرسلت رسائل تحذيرية عبر حلفائها.
- تركيا التزمت الصمت، مراقبة التطورات دون تدخل مباشر.
📆 هل يصنع هذا اللقاء تطبيعًا تدريجيًا؟
اللقاء في باريس ليس إعلانًا للتطبيع، بل اختبار أولي لإمكانية بناء الثقة. يشبه ما جرى في اتفاقيات سابقة شهدتها المنطقة، مثل أوسلو ووادي عربة، لكنه مختلف من حيث الظروف والأطراف. إن نجاح هذا المسار قد يقود إلى تفاهمات أوسع تشمل ملفات مثل الجولان، الحدود، وربما ترتيبات اقتصادية مشتركة.
💡 تحليلات الخبراء: سيناريوهات المستقبل
يطرح المراقبون ثلاثة سيناريوهات رئيسية:
- نجاح التهدئة: يؤدي إلى خفض التوتر في الجنوب السوري، ويشكل مقدمة لمسار تفاوضي طويل المدى.
- فشل المسار: يعود التصعيد بقوة، مع تدخلات إيرانية وتركية، وانهيار أي جهود سلام.
- تفاهم محدود: يبقى التواصل قائمًا على المستوى الأمني دون تطور إلى تطبيع شامل.
🔍 البعد التاريخي للعلاقات السورية – الإسرائيلية
تاريخ العلاقة بين دمشق وتل أبيب حافل بالصراعات منذ حرب 1948 مرورًا بحرب 1967 واحتلال الجولان، وصولًا إلى حرب 1973. رغم المفاوضات غير المباشرة في التسعينيات، لم يتم التوصل إلى سلام شامل. هذا اللقاء يعيد إلى الأذهان محاولات سابقة فشلت بسبب تعقيدات الملفات الإقليمية والدولية.
📈 التداعيات على الداخل السوري
اللقاء أثار جدلًا داخليًا في سوريا، حيث اعتبره البعض خيانة، بينما رأى فيه آخرون فرصة لإنقاذ البلاد من حرب طويلة الأمد. المعارضة السياسية رحبت بالخطوة بشروط، فيما هددت بعض الفصائل المسلحة بالتصعيد إذا ما اعتبرته تنازلًا عن السيادة.
🌐 تأثير اللقاء على الإقليم
نجاح أي تهدئة بين سوريا وإسرائيل سيعيد رسم موازين القوى في المنطقة، ويؤثر على ملفات كبرى مثل الصراع في لبنان، والوضع في قطاع غزة، والعلاقة مع إيران. كما أنه قد يفتح الباب أمام موجة جديدة من التحالفات الإقليمية.
🗣️ تقييم ختامي
إن اجتماع باريس ليس سوى خطوة أولى في مسار معقد وطويل. النجاح يتطلب إرادة سياسية قوية، وضمانات دولية، وتعاون إقليمي. الفشل، بالمقابل، قد يعيد المنطقة إلى دائرة العنف وعدم الاستقرار.
🧩 خاتمة
الخيار السوري – الإسرائيلي في باريس يعكس لحظة تحول دقيقة في تاريخ المنطقة. إنه اختبار للإرادات، ولقدرة الأطراف على تجاوز الماضي وبناء مستقبل مختلف. وبين تكتيك التهدئة وتمهيد التقارب، تبقى الأيام المقبلة هي الفيصل في تحديد ما إذا كان هذا اللقاء سيُذكر كحدث عابر أم كمنعطف تاريخي.
65 / 100
نتيجة تحسين محركات البحث