السودان: صعود السلطة الموازية… قصة التعايشي وحكومة السلام والوحدة

في 26 يوليو 2025، أعلن تحالف تحالف السودان التأسيسي (TASIS)، بقيادة قوات الدعم السريع (RSF)، إطلاق ما وصفه بـ”حكومة السلام والوحدة” ككيان سياسي موازي للرئاسة الانتقالية. وفي قلب هذه الخطوة، تم تعيين محمد حسن عثمان التعايشي رئيسًا للوزراء، وإبقاء “حميدتي” قائد RSF كرئيس مزعوم للمجلس الرئاسي ذي الـ 15 عضوًا. هذه الخطوة لا تمثل مجرد إعلان سياسي، بل تعد تغيّرًا جذريًا في معادلات السلطة السودانية، وربما نقطة تحول تاريخية نحو تقسيم البلاد فعليًا.
1. السياق السياسي والأسباب المؤدية
الحرب الأهلية في السودان بدأت في أبريل 2023 عقب خلافات بين الجيش بقيادة الفريق عبد الفتاح البرهان و RSF برئاسة الجنرال حميدتي. بعد أكثر من عامين من النزاع، أصبح السودان مقسمًا بالفعل بين مناطق تسيطر عليها الحكومة الرسمية ومناطق تحت حكم RSF وحلفائها.
ولد تحالف TASIS في فبراير 2025 في نيروبي، ككتلة تجمع RSF مع عدد من فصائل دارفور وشرق السودان، بالإضافة إلى جناح لحزب الأمة برئاسة فاضل الله برما ناصر. تم توقيع “ميثاق تأسيسي” في 22 فبراير يعلن رؤية “دولة علمانية لا مركزية” وتشكيل حكومة مؤقتة كبديل عن السلطة الحالية.
2. الهيكل المؤسسي لحكومة السلام والوحدة
اعتمد الدستور التأسيسي مقسّمًا جديدًا للسودان إلى ثماني مناطق إدارية، ورفع شعار “السودان الجديد”، مستندًا إلى نموذج علماني في بنية الحكم. تم تشكيل:
- مجلس رئاسي مكوّن من 15 عضوًا، يرأسه حميدتي، ونائبه عبد العزيز الحلو من SPLM‑N.
- مجلس وزاري عبر تعيين محمد حسن التعايشي رئيسًا للوزراء، بتواجد حزبي وعسكري مباشر لـ RSF وSPLM‑N.
- برلمان مؤقت ثنائي الغرفة: “مجلس المناطق” و”مجلس النواب” كما نص الدستور.
3. من هو التعايشي؟
محمد حسن عثمان التعايشي لم يكن مجرد اسم في الصف السياسي، بل شخصية مستقلة ارتبطت بمشهد المعارضة المدنية قبل انشقاقه عن المجلس الانتقالي في ديسمبر 2021. تقاطع اسمه مع فترات حرجة في تحوّل بعض النخب المدنية صوب RSF.
4. التحالفات الداخلية والصراعات الأيديولوجية
التحالف داخل TASIS لم يكن موحدًا. فقد ظهر انقسام واضح داخل حزب الأمة بزعامة فاضل الله برما، والذي أُقصي بعد توقيعه ميثاق التأسيس، بينما فضّل فصيله الآخر دعم المبادرة. SPLM‑N بالمقابل حجزت لنفسها حق وزارة الدفاع والتمثيل داخل المجلس.
لكن التحدي الأكبر كان داخل RSF نفسها. تقارير ACLED وثقت تصاعد حالات “الصراع القبلي الداخلي داخل RSF” خلال 2024، ما ينذر بضعف تركيب السلطة المركزية في حال استمرار النزاع.
5. المشهد الميداني: من الأرض إلى الخرطوم
بحلول منتصف 2025، كانت قوات الجيش تسيطر على معظم الخرطوم وشمال شرق السودان، بينما RSF تهيمن على دارفور ومعظم جنوب كردفان. أغلب مناطق المدينة الكبيرة المقابلة للحكومة – مثل شرق النيل والخرطوم – أصبحت مضبوطة من قِبل السلطة الرسمية، بينما الحكومة الموازية تمارس فعلًا إدارة “موازية” عبر مؤسسات وهياكل من مناطقها الأساسية.
6. الانتهاكات وأزمة الإغاثة الإنسانية
الاتهامات التي طالت RSF بارتكاب جرائم حرب متعددة، خصوصًا في دارفور وغالباني، تشمل مجازر قتل جماعي واغتصابات وتمثيل جثث، وتوثيق حالات إخفاء قسري.
بحسب الأمم المتحدة، الحرب أودت بحياة أكثر من 150,000 شخص، وشردت نحو 14 مليونًا، ودفّعت نصف السكان إلى مستويات جوع حاد. المجازر الأخيرة في ولاية جنوب كردفان وحدها أوقعت 32 قتيلًا خلال يومين فقط.
7. التفاعل الدولي وتحذيرات المجتمع العالمي
عقوبات فرضتها الولايات المتحدة على حميدتي والبرهان. دول مثل مصر، السعودية، الأردن، قطر، والجزائر، أعلنت رفضها للإعلان الموازٍ واعتبرته تهديدًا لتعزيز الانقسام. الأمم المتحدة أصدرت بيانًا يحذر من “تقويض سيادة السودان باتجاه انقسام فعلي”.
8. مقارنة بين رؤى الحكومة الموازية والحكومة الشرعية
الحكومة العسكرية في بورتسودان (الجيش) عدّلت دستور أبريل 2019 لصالح بقاء الجيش كسلطة مركزية، ورفضت ضم RSF في أجهزة الدولة الرسمية، بينما دعا دستور TASIS إلى بناء جيش واحد جديد يجمع RSF وSPLM‑N وقيادات أخرى ضمن تكوين علماني ولا مركزي.
9. إحتمالات المستقبل
تحليلات من New Arab وThe National تصف المشهد بأنه يُشبه ليبيا لما بعد القذافي، حيث يتعايش حكومتان متقاطعتان، وخطر الانقسام الإقليمي قائم بقوة.
سيناريو آخر يقول إن هذه الحكومة الموازية ربما تستخدم كدولة مطلوبة لتقديم خدمات محلية ومشروعات تنموية في مناطقها، في انتظار التفاوض النهائي. لكن بعض المحللين يشيرون إلى أنها مجرد مناورة لاستعادة الشرعية السياسية بعد خسائر ميدانية.
10. الخاتمة – دولة واحدة أو سودان متعدد؟
تصاعد نفوذ RSF وتحالفها مع الفصائل المدنية المسلحة عبر TASIS وتحويله إلى حكومة فعلية يمثل مفصلًا فارقًا في مسار السودان. إنه تعبئة للسلاح السياسي في إطار تنفيذي، وليس مجرد كتلة فصائلية.
إذا لم تستطع الوساطات الدولية والعربية دفع الطرفين إلى تسوية، فقد يترسّخ واقع حكومة مراقبة وموازية، وواقع طائفي-إقليمي ينهي حلم “السودان الموحد”.
محمد حسن التعايشي إذًا ليس مجرد رئيس وزراء وهمي، بل تجسيد لجرأة التحوّل في بنية الدولة، وقد يكون عاملًا محفوفًا بالمخاطر إذا ما تأخرت إعادة الدمج أو الحل التفاوضي.
70 / 100
نتيجة تحسين محركات البحث