السودان في قلب الصراع: تحالفات متصدعة وخيارات محفوفة بالمخاطر

وسط أجواء مشحونة بالقلق، يواصل السودان غرقه في أتون صراعٍ دموي بين الجيش وقوات الدعم السريع، راح ضحيته حتى الآن المئات من القتلى وآلاف الجرحى، وخلف وراءه خرابًا عاصفًا وعجزًا عن تحقيق أي انفراجة سياسية في أفق قريب.
1. خلفيّة الصراع: توافقات هشّة تنهار سريعًا
انطلق الصراع إثر الخلاف حول جدول زمني لإدماج قوات الدعم السريع في القوات المسلحة الرسمية، وموعد إخضاع الجيش لسلطة مدنية مدنية في الحكومة الانتقالية. كان الاتفاق يفترض أن يعالج القضايا العالقة في الذكرى الرابعة لالإطاحة بالبشير، بيد أن وجد الفشل مرجعياته في عمق التناقضات بين الجانبين . الجيش دعا إلى تنفيذ اندماج سريع (خلال 6 أشهر) وفق شروط تأهيلية عسكرية تقليدية، بينما ترى قوات الدعم السريع في عملية الأمد الطويل (قد تمتد لعشر سنوات) ضمانًا للاستقرار والتحصين السياسي .
2. حول مسلسل اشتعال الحرب من جديد
التوترات تهيأت طيلة أشهر، مسعّدة بحملات تسليح وتعبئة من الطرفين. وفي 15 أبريل انطلقت شرارة المواجهات على خلفية اتهامات متبادلة بالانقلاب والتخطيط. الجيش اتهم قوات الدعم السريع بالتجنيد غير القانوني، بينما ردّ الأخير بقول إن الجيش حاول السيطرة على السلطة من خلال مؤامرة مدبرة .
3. الخسائر الإنسانية والمآلات المحلية
حتى الآن، سقط أكثر من 140 قتيلًا في الخرطوم ومدن أخرى، وأصيب نحو 1400 بجروح، بحسب لجنة أطباء السودان . الوضع في العاصمة تحول إلى سيناريو مرعب، حيث بات الناس عاجزين عن التنقل وسط القصف والاشتباكات، ما وضع البلاد في أزمة إنسانية متفاقمة.
4. تداعيات شاملة لغرب الأمور
انعكاسات الحرب تجاوزت نزاع السلطة. فخطر تفتيت الوديان الاجتماعية والقوى القبلية عاد ليطل مجدداً، فالأطراف المتنازعة ضمّت قدرات عسكرية رصينة —الجيش مع قواته الجوية، والدعم السريع بنحو 100,000 مقاتل تنتشر في شوارع الخرطوم وضواحيها . وقد ثبت أن توقّع هدوء سريع بعيد المدى إذ أن أزمات الغذاء شهدت تفاقمًا حادًا، إذ بات أكثر من ثلثي السودانيين يعانون من “عوز غذائي” شديد ، كما تخسر البلاد عمليًا نحو 10 مليارات دولار جرّاء الأضرار البيئية والبنية التحتية .
5. محاولات التهدئة والمفاوضات
دعت الجامعة العربية والأمم المتحدة والقوى الإقليمية إلى وقف فوري لإطلاق النار وحوار وطني، لكن الانقسامات ظلت نابرة: الجيش يطالب بحلّ ودحض قوات الدعم السريع، بينما حميدتي (قائد الأخيرة) يصف البرهان بأنه “مجرم حرب” ويحمّله مسؤولية التردي الحالي . اتفاق جدة الأخير شدد على تأمين مدد آمن للعمل الإغاثي واحترام السيادة السودانية، لكنه لم يؤسس لثقة متبادلة كافية لتهدئة النزاع .
6. السيناريوهات المحتملة
تصعيد جديد: احتمال انزلاق القتال لمرحلة طويلة الأمد وارد، خصوصًا مع وصول الدعم السريع إلى قلب المدن، واحتمالية رفض الجيش لأي تسويات.
اتفاق هشّ: العودة لطاولة الحوار ممكنة، لكن من دون تعديل جذري في شروط كل طرف، فإن الاتفاق سيكون مؤقتًا وسهل التفكك.
انقسام جغرافي: تخوّف من تحول المغرب القبلي، خاصة دارفور، إلى بؤرة مستقلة للدعم السريع، مع استفادتها من روابط قبلية ومناهج تقليدية قاتمة تستند للأعوام السابقة .
7. هشاشة التحالفات الحاكمة
داخل “تحالف البرهان”، بدأت تداعيات خلافات حول المناصب تظهر، خصوصًا بين قائد الجيش وحركة العدل والمساواة بقيادة جبريل إبراهيم، جنبًا إلى جنب مع حركة مني أركو؛ تداعيات كشفت هشاشة التركيبة السياسية الجديدة . أما قوى المعارضة المدنية وزخمها فيتوزع بين “قوى صمود”، التحالف المدني الجديد لعبد الله حمدوك، الذي يفترض به قيادة طاولة الإصلاح، لكن دون رؤية واضحة أو أدوات ضغط داخل التوازن العسكري الراهن .
🧭 خلاصة
رغم الدعوات الدولية المتكررة لوقف النار والعودة إلى الشراكة السياسية، تبدو نار الصراع مشتعلة بلا أفق زمني قصير للتهدئة. إذا استمر الطرفان على موقف التمترس والرفض الشامل لتسويات مستدامة، فإن الانهيار سيطال مؤسسات الدولة، والمناطق القبلية، والمزيد من التشظيات الجهوية.
لإنقاذ البلاد، هناك حاجة ماسة إلى:
1. آلية فصل حقيقي تعزل الشأن العسكري عن السياسي، من خلال خطوات محددة في الدمج والرقابة المدنية تحت جدول زمني دقيق.
2. حماية عاجلة للمدنيين عبر ممرات إنسانية وضمان الحماية الدولية، خصوصًا للنساء والأطفال والاغاثيين.
3. دعم المجتمع المدني لتفعيل شركته السياسية والتحول الديمقراطي، عبر تحفيز دوره الحقيقي وليس مجرد واجهة.
4. تركيز دولي واقليمي عصري لتقديم حلول أكثر صلابة تحت رسوم سلام متعددة الأبعاد، وليست مجرد إعلانات أو ضغوط رمزية.
63 / 100
نتيجة تحسين محركات البحث