الصناعة النووية في إيران: متأصلة لا تُقتلع رغم الهجمات الأمريكية المباغتة

الصناعة النووية في إيران: متأصلة لا تُقتلع رغم الهجمات الأمريكية المباغتة

في تطور مفاجئ للحرب المتصاعدة بين إسرائيل وإيران خلال يونيو 2025، دخلت الولايات المتحدة رسميًا على خط المواجهة بشنّ ضربات جوية دقيقة على ثلاثة من أهم المنشآت النووية الإيرانية. جاءت هذه العملية غير المسبوقة وسط تصاعد التوتر الإقليمي، وبعد فشل كل الجهود الدبلوماسية الأخيرة في إيقاف المشروع النووي الإيراني. ومع أن الضربات حملت رسالة عسكرية وسياسية واضحة، إلا أن المعطيات تشير مجددًا إلى أن الصناعة النووية الإيرانية أصبحت جزءًا راسخًا من منظومة السيادة الوطنية، عصيّة على الاجتثاث أو التدمير.

تفاصيل الهجمة الأمريكية

في فجر يوم 22 يونيو 2025، أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية تنفيذ عملية عسكرية أُطلق عليها اسم “Midnight Hammer”، استهدفت ثلاث منشآت نووية إيرانية شديدة التحصين. العملية جاءت بعد أشهر من التحضير الاستخباراتي واللوجستي، واستهدفت منشأة فوردو المدفونة تحت الجبال، ومجمع نطنز لتخصيب اليورانيوم، ومنشأة أصفهان لإنتاج الوقود النووي.

شاركت في الضربة أكثر من 120 طائرة، من بينها قاذفات B‑2 Stealth التي أطلقت قنابل خارقة للتحصينات من طراز GBU‑57 المعروفة باسم MOP (Massive Ordnance Penetrator). وأكدت وزارة الدفاع أن الضربات أصابت أهدافها بدقة بالغة، وألحقت “ضررًا بالغًا بالبرنامج النووي الإيراني”، بحسب البيان الرسمي.

منشأة فوردو: الاختبار الحقيقي للقنابل الخارقة

تقع منشأة فوردو على عمق يزيد عن 80 مترًا داخل جبل في محافظة قم، وتُعدّ من أكثر المنشآت تحصينًا في العالم. كانت هذه المنشأة بمثابة اختبار مباشر لقدرة القنابل الأمريكية على اختراق التحصينات العميقة. وقد أظهرت صور الأقمار الصناعية اللاحقة أن مجمّع فوردو تعرّض لانهيارات هيكلية في قطاعاته الغربية، ما يُعد أول اختراق فعلي ناجح للموقع منذ تأسيسه.

نطنز وأصفهان: رسائل مزدوجة

تعرّض مجمع نطنز، الذي سبق واستُهدف عام 2010 عبر فيروس “ستاكسنت”، لضربة مركزة دمرت مختبرات الطرد المركزي الجديدة. أما منشأة أصفهان، التي تُستخدم لإنتاج ألواح الوقود النووي، فقد قصفتها صواريخ كروز من طراز توماهوك، أُطلقت من غواصات أمريكية في الخليج العربي. الرسالة كانت مزدوجة: قدرة الولايات المتحدة على ضرب العمق الإيراني في أي لحظة، وأنها لن تقف مكتوفة الأيدي أمام تسارع البرنامج النووي الإيراني.

رد الفعل الإيراني: تهديدات وتصعيد

أعقب الضربات الأمريكية تصريحات شديدة اللهجة من طهران. وصف المرشد الأعلى علي خامنئي الهجوم بأنه “عدوان مباشر على السيادة الإيرانية”، فيما تعهّد رئيس الأركان الإيراني اللواء محمد باقري بـ”ردّ قاسٍ لا يمكن التنبؤ بعواقبه”. وفي ذات اليوم، أطلقت إيران موجة من الطائرات المسيّرة وصواريخ كروز باتجاه إسرائيل، أصابت بعضها أهدافًا في تل أبيب وحيفا.

وفيما يبدو تصعيدًا مباشرًا، ألمح الحرس الثوري إلى احتمال استهداف السفن الأمريكية في الخليج، والتلويح بإغلاق مضيق هرمز، الشريان الحيوي لتصدير النفط العالمي. وأكدت مصادر عسكرية إيرانية أن المنشآت التي استُهدفت سيتم ترميمها بسرعة، وأن أنشطة التخصيب ستستأنف “في مواقع أكثر أمانًا وأعمق تحت الأرض”.

لماذا تفشل الضربات في إيقاف البرنامج النووي؟

تُظهر الأحداث المتكررة، منذ عام 2006 وحتى ضربة يونيو 2025، أن كل محاولة خارجية لشلّ البرنامج النووي الإيراني باءت بالفشل. ويعود ذلك إلى مجموعة من العوامل المحورية:

1. الهيكل اللامركزي للبرنامج النووي: لا يتركز النشاط النووي في منشأة واحدة، بل هو موزّع على عشرات المواقع، وبعضها سري للغاية. حتى المنشآت المعلنة ليست سوى واجهة لجزء من القدرات الحقيقية.

2. الكوادر البشرية المؤهلة: تمتلك إيران آلاف المهندسين والعلماء الذين تلقّوا تدريبًا عالي المستوى داخليًا وخارجيًا. اغتيال بعضهم، كما حدث مع محسن فخري زاده، لم يوقف الزخم.

3. التصنيع المحلي والتقنية الذاتية: منذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي في 2018، سارعت طهران إلى توطين الصناعة النووية محليًا، من أجهزة الطرد المركزي إلى أنظمة التحكم.

4. الدعم السياسي والشعبي للبرنامج: يُنظر إلى البرنامج النووي كرمز للكرامة الوطنية في وجه “الاستكبار العالمي”، مما جعله يحظى بدعم شبه كامل من المؤسسات السياسية وحتى قطاعات شعبية واسعة.

المجتمع الدولي: قلق متزايد وانقسام في المواقف

أثارت الضربات الأمريكية الأخيرة انقسامًا حادًا في مواقف المجتمع الدولي. فقد أيّدت بعض الدول الأوروبية، مثل بريطانيا وفرنسا، العملية باعتبارها “إجراء وقائيًا ضروريًا”، بينما دانتها الصين وروسيا بشدة، واعتبرتا أن واشنطن تجاوزت الخط الأحمر وخرقت السيادة الإيرانية.

في الوقت ذاته، طالبت الأمم المتحدة بوقف فوري للتصعيد، محذّرة من أن أي مواجهة مباشرة بين إيران والولايات المتحدة قد تُشعل حربًا شاملة في الشرق الأوسط، قد تمتد إلى دول أخرى، وتنعكس سلبيًا على الأمن العالمي وسوق الطاقة.

التداعيات المحتملة: تصعيد أم تراجع؟

بينما تعلن إيران استعدادها للرد وتلوّح بإجراءات “غير تقليدية”، تبذل واشنطن جهودًا لاحتواء الموقف. وقد صرّح المتحدث باسم البنتاغون أن “الضربة تهدف لتأخير البرنامج النووي، وليس لتغيير النظام في طهران”. لكن الرد الإيراني قد لا يكون متوقعًا أو مباشرًا، بل قد يأتي على شكل عمليات غير متماثلة في المنطقة.

وتشير تقديرات استخباراتية إلى أن إيران قد تستخدم حلفاءها في العراق وسوريا ولبنان للضغط على المصالح الأمريكية والإسرائيلية، دون الانخراط في مواجهة شاملة.

هل نجحت العملية؟

رغم نجاح الضربة من الناحية التكتيكية، إلا أن السؤال الحقيقي هو: هل يمكن ضرب الإرادة الوطنية؟. ما حدث في يونيو 2025 يشبه ما حدث في 2010، و2020، و2021: تدمير منشآت، تعطيل مؤقت، ثم إعادة البناء بشكل أقوى وأعمق. ويبدو أن إيران استفادت من كل هجوم سابق لتعزيز تقنياتها وبنيتها التحتية، ما يجعل من أي ضربة جديدة نقطة بداية لمزيد من التقدم.

خاتمة: جذور لا تُقتلع

تُظهر الأحداث المتتالية أن البرنامج النووي الإيراني لم يعد مجرد مشروع علمي أو طموح سياسي، بل أصبح جذرًا متينًا في شجرة الهوية الاستراتيجية الإيرانية. وحتى وإن نجحت الضربات الأمريكية في تعطيل بعض المنشآت، إلا أن القدرة على التعافي السريع، والإصرار على مواصلة الطريق، يجعل من اقتلاع هذا الجذر أمرًا شبه مستحيل.

ولعل أخطر ما في هذه المرحلة، ليس الضربة ذاتها، بل ما بعدها: إيران الجديدة، بعد الهجوم، قد تكون أكثر انغلاقًا، أكثر سرية، وأكثر تصميماً على بلوغ عتبة نووية فعلية. والرهان على القوة وحدها، دون حلول سياسية مستدامة، قد يفتح أبوابًا لا يمكن إغلاقها بسهولة.

الصورة الرمزية

تم التحقق والنشر بواسطة فريق تحرير منصة إيجاز نيوز الإخبارية.

64 / 100

نتيجة تحسين محركات البحث

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إيجاز نيوز
موقع إيجاز نيوز الإخباري غير مسؤولا عن محتوي المواقع الخارجية