بعد 15 ساعة طيران… ركاب رحلة كانتاس يتفاجأون بالعودة إلى بلد الانطلاق

في واقعة نادرة، فوجئ ركاب رحلة تابعة لشركة “كانتاس” الأسترالية، خلال رحلتهم الطويلة من مطار بيرث (Perth) إلى باريس الفرنسية، بالعودة مباشرة إلى أستراليا بعد أن قضوا قرابة 15 ساعة في الأجواء، قبل أن يهبطوا مجددًا في نقطة انطلاقهم، وذلك بتاريخ 24 يونيو 2025.
بدأت الرحلة من بيرث باتجاه باريس، ضمن مسار جوي يستغرق حوالي 17 ساعة، ويمر فوق جنوب آسيا والشرق الأوسط. كانت الرحلة تسير بشكل طبيعي، مع خدمات ضيافة وترفيه معتادة من شركة تعتبر من الأفضل عالميًا، حتى طرأ ما لم يكن بالحسبان.
في وقت متأخر من مساء 23 يونيو، تلقت الطائرة إشعارًا عاجلًا من مراكز المراقبة الجوية يفيد بإغلاق المجال الجوي فوق مناطق رئيسية في الشرق الأوسط، بسبب تصعيد عسكري مفاجئ. وقد أشارت تقارير إلى أن الإغلاق جاء ردًا على هجوم صاروخي إيراني استهدف مواقع أمريكية في قطر، مما أثار حالة استنفار دفعت السلطات لإغلاق الأجواء من الخليج وحتى أطراف البحر المتوسط.
توقفت الرحلة فوق بحر العرب بضع دقائق في وضعية الانتظار، قبل أن يتخذ الطاقم قرارًا حاسمًا بالعودة إلى مطار بيرث، بدلاً من المجازفة بالتحليق فوق مناطق متوترة أو محاولة تغيير المسار في اللحظة الأخيرة، ما قد يتسبب في مشكلات فنية أو لوجستية أكبر. وبالفعل، استدارت الطائرة وعادت أدراجها، وسط صدمة معظم الركاب.
عند هبوط الطائرة، لم يصدق الكثيرون أنهم عادوا إلى أستراليا. أحد الركاب علّق: “كنت أتابع خارطة الرحلة وأعتقد أننا نقترب من باريس، لكننا فجأة وجدنا أنفسنا نهبط في بيرث مجددًا. شعرت وكأننا في مشهد سينمائي غريب”. ورغم المفاجأة، أبدى معظم الركاب تفهمًا للقرار، مدركين أن سلامتهم كانت على المحك.
شركة “كانتاس” سارعت لتوفير بدائل فورية للركاب المتضررين، من خلال تأمين فنادق للإقامة، وتحديث مواعيد الرحلات البديلة فور فتح المجال الجوي. كما جرى تقديم تعويضات رمزية وخدمات دعم في المطار لضمان راحة المسافرين بعد هذا الحدث غير المسبوق.
يأتي هذا التطور في سياق توتر إقليمي متصاعد منذ منتصف يونيو 2025، على خلفية هجمات إسرائيلية متكررة وردود إيرانية عنيفة، إضافة إلى تحركات أمريكية في مياه الخليج. هذا التوتر دفع العديد من شركات الطيران حول العالم، مثل “لوفتهانزا”، “الخطوط البريطانية”، و”يونايتد إيرلاينز”، إلى تعليق رحلاتها عبر الشرق الأوسط أو تغيير مساراتها نحو طرق أكثر أمانًا عبر آسيا الوسطى وشمال إفريقيا.
وكان من نتائج هذا التصعيد أن أصبحت طرق الطيران المباشرة بين آسيا وأوروبا أقل استخدامًا، بسبب المخاوف من استهداف طائرات مدنية، أو حتى تأثرها بأنظمة تشويش إلكتروني قد تعطل أجهزة الملاحة. وتضاعفت التكاليف التشغيلية لكثير من الشركات، واضطرت بعضها إلى إلغاء الرحلات الطويلة مؤقتًا، في انتظار استقرار الأوضاع.
وفي ظل هذه التحديات، تحرص شركات الطيران الكبرى على الموازنة بين السلامة والربحية. فقد يكلف قرار مثل إعادة الطائرة بعد 15 ساعة خسائر مالية كبيرة، إلا أن الالتزام بالمعايير الأمنية يظل أولوية قصوى، لتفادي كوارث جوية محتملة أو فقدان ثقة العملاء.
من الناحية التشغيلية، أظهرت الحادثة كفاءة في إدارة الأزمات الجوية، حيث طبقت “كانتاس” إجراءات دقيقة في غضون دقائق من تلقي البلاغ، وتمكنت من إعادة الطائرة دون أي مشكلات فنية، ما يعكس مدى الجاهزية والاستعداد لحالات الطوارئ.
وتعيد هذه الحادثة للأذهان وقائع مشابهة وقعت في أوقات توتر سياسي أو عسكري سابق، مثل إسقاط الطائرة الماليزية فوق أوكرانيا عام 2014، أو الحظر المؤقت للرحلات فوق إيران في 2020. وتؤكد كل تلك الحوادث أن الأجواء الدولية لم تعد مجرد ممرات طيران آمنة، بل ساحات تتأثر مباشرة بأي تصعيد جيوسياسي.
خلاصة القول، إن رحلة كانتاس التي عادت من حيث بدأت رغم ساعات الطيران الطويلة، ليست مجرد واقعة غريبة بل تُمثل نموذجًا لطريقة تعامل شركات الطيران مع الأزمات. وبينما ينتظر العالم تهدئة الأوضاع في الشرق الأوسط، يبقى الركاب وشركات النقل الجوي رهائن لقرارات سياسية قد تُتخذ في لحظة، لكنها تُحدث ارتدادات في السماء وعلى الأرض.
53 / 100
نتيجة تحسين محركات البحث