بين إيرا – ئيل: الحرب في زروتها والعروبة لا زالت في موقف المراقبة !

تشهد منطقة الشرق الأوسط واحدة من أخطر مراحل التصعيد العسكري بين إسرائيل وإيران، في مواجهة تزداد حدّتها يومًا بعد يوم، وتنذر بتحوّل الصراع من حرب بالوكالة إلى مواجهة مباشرة مفتوحة بين قوتين إقليميتين تتنازعان النفوذ والسيطرة منذ عقود.
القصف المتبادل، وتبادل الضربات الجوية، واستهداف القواعد العسكرية والمرافق الاستراتيجية، لم تعد تقتصر على أطراف ثالثة، بل أصبحت إسرائيل وإيران وجهاً لوجه، فيما تراقب العواصم العربية المشهد بحذر شديد وصمت مريب.
من حرب الظل إلى نار العلن
لأعوام طويلة، انخرطت إسرائيل وإيران في ما يُعرف بـ”حرب الظل”، حيث اقتصرت المواجهات على اغتيالات، وهجمات سيبرانية، وضربات جوية ضد وكلاء إيران في سوريا ولبنان. لكن الأحداث الأخيرة تشير بوضوح إلى انتقال الصراع نحو مواجهة أكثر مباشرة وعلنية.
ففي الشهر الماضي، شنت إسرائيل ضربات جوية استهدفت مواقع يُعتقد أنها تابعة للحرس الثوري الإيراني داخل سوريا، وردّت طهران بقصف مواقع إسرائيلية وهو ما دفع المحللين للتحذير من أن المنطقة تقف على شفا حرب إقليمية واسعة النطاق.
التصعيد الأخير: تطور خطير في قواعد الاشتباك
الضربة الاسرائيلية غير المسبوقة باستخدام صواريخ وطائرات مسيّرة ضد أهداف داخل العمق الإيراني اعتبرها كثيرون نقطة تحوّل في شكل المواجهة..
الرد الإيراني لم يتأخر، حيث شنت طهران هجمات مكثفة استهدفت منشآت عسكرية وبُنى تحتية . كما أغلقت المجال الجوي في الشمال، وأعلنت التعبئة الجزئية، في وقت رفعت فيه حالة التأهب في صفوف جيشها إلى أعلى درجاتها.
الموقف العربي: حياد حذر أم عجز سياسي؟
أمام هذا التصعيد المقلق، جاء الموقف العربي متباينًا ومتحفظًا، بل إن بعض الدول التزمت الصمت التام، في حين صدرت عن دول أخرى بيانات فضفاضة تدعو إلى ضبط النفس وتجنب التصعيد، دون إدانة صريحة لأي من الطرفين.
السعودية والإمارات ومصر دعت إلى “ضبط النفس واحتواء التصعيد”، دون توجيه اتهامات مباشرة، بينما أعربت دول مثل العراق وسوريا ولبنان عن تضامنها مع إيران في وجه ما وصفته بـ”العدوان الإسرائيلي المتكرر”.
في المقابل، فضّلت بعض الدول البقاء على الحياد التام، متجنبة الدخول في تفاصيل الصراع خشية الانزلاق إلى أي من طرفيه، خصوصًا في ظل العلاقات المتشابكة التي تربط العديد من العواصم العربية بكل من واشنطن وطهران.
الشارع العربي يغلي… والسياسة تتلكأ
رغم تحفظ الأنظمة، فإن الشارع العربي عبّر عن رأيه بشكل صريح. فقد شهدت عدة عواصم ومدن عربية مظاهرات ومواقف شعبية عبّرت عن تضامنها مع المدنيين في إيران وسوريا ولبنان، رافضة ما وصفته بـ”العدوان الإسرائيلي الغاشم”.
وفي وسائل التواصل الاجتماعي، تصدّرت مشاهد القصف والدمار في دمشق وتبريز، والمنشورات الداعية لوقف الحرب، واجهة التفاعل. في حين وُجهت انتقادات واسعة للمواقف الرسمية “الباردة”، والتي لا ترتقي لحجم التهديد الذي تواجهه المنطقة برمتها.
الجامعة العربية: الغياب المعتاد
كالعادة، غابت الجامعة العربية عن المشهد بشكل فعّال، ولم تصدر عنها سوى بيان مقتضب يدعو إلى التهدئة، دون أي تحرك دبلوماسي جماعي أو طارئ، ما اعتبره مراقبون استمرارًا لحالة “العجز الجماعي” التي تلازم العمل العربي المشترك منذ سنوات.
هذا الغياب يزيد من تساؤلات الشعوب حول مدى جدوى هذه المؤسسة، ومدى قدرتها على لعب دور الوسيط أو الحامي في لحظات الانفجار الإقليمي.
هل الحرب وشيكة أم تحت السيطرة؟
المحللون منقسمون حول مستقبل التصعيد بين إسرائيل وإيران. فبعضهم يرى أن الطرفين لا يسعيان إلى حرب شاملة، وإنما إعادة رسم قواعد الاشتباك وفرض توازن ردع جديد. في حين يعتقد آخرون أن الخطأ البشري أو سوء التقدير في أي هجوم قد يشعل المنطقة بالكامل.
ومع دخول الولايات المتحدة على خط الأزمة بتحذيراتها الصارمة لإيران، وإعلانها دعم “حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها”، يبدو أن أي توسع إضافي في نطاق المواجهة قد يستدرج قوى عالمية، ويحوّل الشرق الأوسط إلى ساحة صراع دولية مفتوحة.
العرب في مفترق طرق
في ظل هذه المستجدات، تجد الدول العربية نفسها أمام مفترق طرق حرج: إما الانخراط الجاد في جهود إخماد التصعيد، وبلورة موقف موحد يجنب المنطقة الانفجار، أو الاستمرار في حالة التفرج والصمت، وهو ما قد يضعف مكانتها الإقليمية، ويفتح الباب أكثر أمام القوى غير العربية لتقرير مصير المنطقة.
كما أن استمرار التردد في الموقف العربي تجاه قضايا الإقليم الكبرى، قد يُفقد الشعوب الثقة في أنظمتها، ويُضعف التضامن الشعبي الداخلي في لحظات تحتاج فيها الأمة العربية إلى موقف موحد أكثر من أي وقت مضى.
حرب تُرسم بالنار وصمتٌ يُكتب بالعجز
تتصاعد الحرب بين إسرائيل وإيران ككرة لهب تتدحرج في قلب المنطقة، مهددةً بجرّ الجميع إلى أتون مواجهة كارثية. وفيما تتطاير الصواريخ وتُهدم المدن، تواصل بعض العواصم العربية الاكتفاء ببيانات “قلق” لا تردع المعتدي ولا تنصف الضحية.
فهل يتحرك العرب قبل أن تصل النيران إلى أبوابهم؟
أم أن التاريخ سيسجل مرة أخرى أن الصمت كان خيارهم الوحيد في زمن المواجهة؟
63 / 100
نتيجة تحسين محركات البحث