تحول شامل في أمن الطيران وخدماته: نحو مرونة واستدامة حقيقية

تشهد صناعة الطيران العالمية، وعلى رأسها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، تحولًا جوهريًا في مقاربتها للأمن والخدمات المقدَّمة للمسافرين، انطلاقًا من مبادرات تهدف لتخفيف القيود وتعزيز الاستدامة دون المساس بسلامة الرحلات.
1. “شروط 3‑1‑1” تحت المجهر: TSA تعتمد تقنية CT ثلاثية الأبعاد
أعلنت إدارة أمن النقل الأمريكية (TSA) عن تخفيف كبير للقيود المفروضة على حمل السوائل ضمن حقائب اليد، وذلك عبر اعتماد أجهزة تفتيش متطورة بتقنية التصوير المقطعي المحوسب (CT ثلاثية الأبعاد) في عدد من مطاراتها الكبرى. هذه التقنية الثورية تستبدل التدقيق البصري السطحي بنظام أكثر دقة، يسمح بتمرير 11 نوعًا من السوائل—بما في ذلك الأدوية، محاليل العدسات، حليب الأطفال، والعينات البيولوجية—من دون الحاجة إلى تحويلها لأكياس بلاستيكية حجمها لتر واحد وتحديد كل عبوة بحد أقصى 100 مل.
هذا التحوّل يُعد تغييرًا فلسفيًا في نهج الأمن الجوي: من منظور فرض القيود الوقائية الشاملة إلى نظام يستهدف بدقة التهديد الفعلي، مع إعطاء المسافر مساحة أكبر لتلبية حاجاته أثناء السفر. كما تسهم هذه المبادرة في تقليل النفايات البلاستيكية الناتجة عن العبوات الصغيرة، مما يدعم جهود مكافحة التلوث البيئي المرتبط بحقائب اليد ﹣ وهو خطوة مهمّة نحو تعزيز الاستدامة في قطاع الطيران.
2. تجارب تجارية: الخطوط الجوية البريطانية تستبدل زجاجات المياه بأكواب ورقية
في إطار مبادرات الاستدامة وتحسين تجربة الركاب، بدأت الخطوط الجوية البريطانية (British Airways) تجربة جديدة بين 16 و22 يونيو، تضمنت استخدام أكواب ورقية بدلًا من زجاجات المياه البلاستيكية في درجتي الدرجة الاقتصادية والاقتصادية الممتازة على رحلاتها بين لندن وميامي وبوسطن ولوس أنجلوس.
رغم أن بعض الركاب اعتبروا أن هذه الخطوة تخفيض في مستوى الخدمة، أكدت الشركة أنها تجربة مؤقتة تقيم ردود فعل المسافرين، كجزء من جهودها للحد من النفايات البلاستيكية وتحسين الأداء البيئي.
3. لعبة البرانش: تغيير وجبات الصباح لتعزيز راحة الراكب
في الوقت ذاته، قدمت الخطوط الجوية البريطانية وجبة بديلة تسمى “برانش” (Brunch)—تجمع بين الإفطار والغداء–على الرحلات الصباحية وذلك استنادًا إلى توصيات الركاب. وُصف التغيير بأنه إضافة راقية، رغم اعتراضات متباينة من بعض المسافرين الذين رأوه تراجعًا عن تقديم وجبة تقليدية كاملة ﹣ وهو ما يعكس أيضًا محاولات الشركات الجوية لموازنة التكاليف مع جودة الخدمات.
4. التقاء الأمن والخدمة في سياق واحد
يكمن الرابط بين المبادرات التقنية والبيئية والخدمية في نقل صناعة الطيران من فكر الأزمات إلى فكر الإبداع في تجربة السفر. فالحركة في اتجاه التخفيف الأمني المدروس، وتقليل النفايات، واختلاف وجبات الرحلات، تُشكل رؤية شاملة تجاه راحة المسافر، دون المساومة على الأمان.
تقنية CT الثلاثي الأبعاد المذكورة تسمح بالحفاظ على السلامة الجوية عبر تصوير شامل، وتمييز السوائل بناءً على محتوياتها، وليس فقط الحجم أو مكانها في الكيس. في المقابل، يقود تجربة أكواب الورق والبرانش على طاولة تناول الطعام أمل تحقيق مستويات جديدة من الراحة دون التكلفة البيئية أو المالية الزائدة.
5. من التغيير الجزئي إلى التحول الكامل
رغم أن التخفيف الحالي يقتصر على المطارات المجهزة بتقنية CT المتقدمة، إلا أن TSA تسعى إلى تعميمه تدريجيًا بحلول عام 2040. وبدفع تقوم به شركات الطيران الأوروبية، تقف الصناعة على أعتاب إعادة رسم شامل للمسيرة الأمنية، مع الفرضية القائلة إنه يمكن الحفاظ على مستوى أعلى من الأمان بذكاء أعلى، لا كلفة أكبر أو إجراءات صعبة للمسافر.
🧭 في اخر ألمطاف
إن ما يحدث اليوم في مطارات العالم ليس مجرد تخفيف قيود أو تعديلات جزئية، بل هو إعلان عن تطوير في عقلية السفر المدني. إنه انتقال من الحدود الأمنية الصارمة التي لا تفرق بين المسافر البريء والخطر المحتمل، إلى نظام أكثر فعالية واستبعاداً للمخلين بالحماية عن طريق دقة تفتيش تقنية.
في الوقت نفسه، تحتكر شركات الطيران فرصة إعادة اختبار طبيعة خدماتها؛ مما يفتح الباب أمام مزيد من الابتكار لخدمة الركاب والبيئة والميزانية في آن واحد. الطيران بات أكثر من وسيلة، بل ميدان اختبار تحولات مستقبلية في تعاملنا مع السفر، مع الحفاظ على الأولويات الثلاث: الأمان، الراحة، والاستدامة.
60 / 100
نتيجة تحسين محركات البحث