عاجل

رحيل حيزان … صاحب أغرب قضية بر في تاريخ القضاء السعودي”

فقدت المملكة العربية السعودية يوم السبت أحد أبرز رموز البر والوفاء، بوفاة حيزان الحربي، الرجل الذي أصبح اسمه أيقونة في تاريخ القضاء السعودي، بعد خوضه أغرب قضية من نوعها تتعلق بمن يحظى بشرف رعاية والدته المسنة. رحل حيزان متأثرًا بإصاباته إثر حادث دهس وقع قبل شهر، أبقاه طريح العناية المركزة حتى وفاته، لكنه ترك خلفه قصة إنسانية لا تزال تُروى بفخر في المجتمع السعودي.

قصة لا تشبه القصص… نزاع من أجل بر الأم

بدأت فصول القضية عندما نشب خلاف بين حيزان الحربي، المُسِنّ، وشقيقه الأصغر، حول من يتولى رعاية والدتهما المسنة. المثير أن الخلاف لم يكن بسبب مال أو إرث، بل لأن كلاً منهما أراد الظفر برضا الله من خلال خدمة والدته. كان حيزان يعيش مع والدته وحيدًا ويعتني بها رغم تقدمه في السن، فيما أراد شقيقه أن ينتقل بها إلى منزله في مدينة أخرى لتوفير رعاية أفضل، ضمن إطار عائلي كامل.

المحكمة بين عينيها

لم تفلح محاولات تقريب وجهات النظر، فلجأ الشقيقان إلى المحكمة الشرعية في محافظة الأسياح. بدأت سلسلة من الجلسات التي جذبت اهتمامًا واسعًا من الأهالي والإعلام المحلي، وتحولت القضية إلى قضية رأي عام، نُظِر إليها باعتبارها “خصومة من أجل البر”. تحت شعار “أيهما يفوز برعاية الأم؟”، استدعى القاضي الأم لتختار بنفسها، وفي مشهد مؤثر، أحضرها الشقيقان يتناوبان حملها في صندوق صغير، إذ لم تكن تزن سوى 20 كيلوجرامًا، بسبب كبر سنها ووهن جسدها.

حين سألها القاضي: “أيّ أبنائك تختارين ليعتني بك؟”، أجابت بكلمات لا تُنسى:
“هذا عيني هاذي… وذاك عيني تلك. ليس عندي غير هذا ولا ذاك.”
اختارت بعاطفة الأم التي لا تفرق بين أبنائها، وتركت القرار في يد القاضي.

حكم القضاء… ودموع الرجال

نظرًا لتقدُّم عمر حيزان، حكم القاضي بأن تنتقل الأم إلى منزل شقيقه الأصغر، حيث تتوفر لها رعاية أسرية متكاملة. وعندما صدر الحكم، بكى حيزان بكاءً مُرًا، ليس حزنًا على الخسارة، بل على فراق والدته التي عاش معها العمر بأكمله. مشهد خروجهما من المحكمة وهما يتناوبان حملها إلى السيارة، أبكى الحضور، وانتشر لاحقًا على منصات التواصل الاجتماعي، وأصبح رمزًا للبر والتضحية.

قصة خلدها المجتمع والدعاة

لم تكن القضية مجرد خلاف عائلي، بل أصبحت نموذجًا يُستشهد به على المنابر، تحدث عنها خطباء الجوامع، ودعوا الناس للاقتداء بحيزان الذي قال في أحد المقاطع المصورة:
“كيف تكون أمي حية ولا أكون تحت قدميها؟”
وكان يدعو الشباب إلى بر أمهاتهم، قائلًا إن ذلك هو طريق رضا الله ودخول الجنة.

وداعًا يا حيزان… رمز البر الصادق

برحيله، طوى حيزان الحربي صفحة مؤثرة من صفحات القيم النبيلة، لكنه ترك أثرًا عميقًا في وجدان السعوديين والعرب. قصة رجل لم يملك شيئًا في الدنيا سوى قلب مفعم بحب والدته، ونال احترام الجميع، ليس بما يملك، بل بما قدّم من دروس في البر الحقيقي.

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *