في الساعات الأولى من صباح الثلاثاء 17 يونيو 2025، استيقظ العالم على خبر عاجل بثته وكالات الأنباء الدولية: غارات جوية إسرائيلية استهدفت منشآت عسكرية وأخرى ذات طابع نووي في محيط العاصمة الإيرانية طهران. الضربات وُصفت بأنها الأكثر دقة منذ سنوات، إذ استهدفت منشآت يُعتقد أنها جزء من البرنامج النووي الإيراني، بالإضافة إلى قواعد تابعة للحرس الثوري الإيراني في أصفهان وقم. التصعيد جاء في وقت مشحون بالفعل بالتوترات الإقليمية، وفي ظل فشل المفاوضات النووية بين إيران والقوى الكبرى، مما أثار القلق من انزلاق المنطقة إلى مواجهة شاملة قد تجرّ أطرافًا دولية.
الرد الإيراني لم يتأخر. بعد ساعات فقط، أعلنت وزارة الدفاع الإيرانية أنها أطلقت أكثر من خمسين صاروخًا باليستيًا متوسطة المدى باتجاه أهداف عسكرية داخل إسرائيل. منظومات الدفاع الجوي الإسرائيلية، وعلى رأسها “القبة الحديدية” ونظام “حيتس 3″، نجحت في اعتراض عدد كبير من هذه الصواريخ، إلا أن بعضها أصاب أهدافًا في شمال تل أبيب ومحيط حيفا، مسببةً أضرارًا مادية ووقوع إصابات بين المدنيين.
الحكومة الإسرائيلية وصفت العملية بأنها “دفاع استباقي مشروع” ضد تهديد نووي مباشر، بينما اعتبرت إيران ذلك “عدوانًا سافرًا” وتوعدت بـ”ردّ قاسٍ يفوق التوقعات”. وقال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية إن “ما بعد الضربات لن يكون كما قبلها”، مضيفًا أن “إسرائيل فتحت باب الجحيم على نفسها”. وفي الوقت ذاته، ارتفعت وتيرة التصريحات الدولية، حيث دعا الأمين العام للأمم المتحدة إلى التهدئة وضبط النفس، محذرًا من انفجار إقليمي لا يمكن السيطرة عليه.
في واشنطن، أعرب البيت الأبيض عن “قلقه البالغ” إزاء تطور الأحداث، لكنه أكد “حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها”، مما أثار انتقادات من بعض الدول التي رأت في هذا الموقف “انحيازًا يغذي التوترات بدلًا من احتوائها”. فرنسا وبريطانيا طالبتا بعقد جلسة عاجلة لمجلس الأمن الدولي، في حين دعت روسيا إلى وقف فوري لإطلاق النار، متهمةً إسرائيل بزعزعة الاستقرار الإقليمي.
أما في الداخل الإيراني، فقد انتشرت دعوات “للجهاد المفتوح” في العديد من المدن، مع خروج آلاف المواطنين إلى الشوارع دعمًا للموقف الرسمي، بينما أفادت تقارير بأن الحرس الثوري بدأ بتعبئة عناصره في عدة محافظات، خاصة قرب الحدود مع العراق. وفي العراق وسوريا، شوهدت تحركات عسكرية لميليشيات مدعومة من إيران، مما زاد من المخاوف بشأن توسيع رقعة النزاع إلى ساحات أخرى.
محللون عسكريون وصفوا الضربة الإسرائيلية بأنها “جريئة ولكنها محفوفة بالمخاطر”، خصوصًا أن استهداف المنشآت النووية قد يُستغل من قبل طهران كذريعة للانسحاب الكامل من اتفاق حظر الانتشار النووي، ورفع نسبة تخصيب اليورانيوم إلى مستويات غير مسبوقة. ويشير الخبير الأمني الألماني يورغن هاس إلى أن “الضربات الإسرائيلية لم تكن عشوائية، بل جاءت بعد رصد استخباراتي دقيق، وربما بمشاركة أمريكية في التخطيط”.
وعلى صعيد الطاقة، ارتفعت أسعار النفط بنسبة تجاوزت 6% خلال ساعات، وسط مخاوف من إغلاق مضيق هرمز، الذي تمر عبره ثلث إمدادات النفط العالمية. شركات طيران عالمية أوقفت رحلاتها فوق الأجواء الإيرانية والإسرائيلية مؤقتًا، تحسبًا لأي تطورات مفاجئة. كما أعلنت بعض البورصات العالمية عن هبوط حاد في المؤشرات المالية، متأثرةً بعودة شبح الحرب الكبرى إلى الشرق الأوسط.
في الوقت ذاته، أعلنت كل من السعودية والإمارات ومصر عن تشكيل “غرفة مراقبة دبلوماسية” لمتابعة الموقف والتنسيق مع المجتمع الدولي، وسط دعوات عربية لعقد قمة طارئة للجامعة العربية خلال 48 ساعة. وكان لافتًا أن البيان الصادر عن الخارجية السعودية لم يدن إسرائيل مباشرة، بل دعا إلى “ضبط النفس وتجنب التصعيد”، مما فُسّر بأنه موقف حذر في ظل التحالفات الجيوسياسية المعقدة في المنطقة.
وبينما العالم يراقب بقلق تطورات الموقف، بدأت أصوات داخل إسرائيل تُحذر من العواقب، حيث اعتبر بعض قادة المعارضة أن “نتنياهو يحاول تصدير أزماته الداخلية عبر مغامرات خارجية خطيرة”. وتساءل الصحفي الإسرائيلي جدعون ليفي: “هل كان يجب أن نخوض هذه المعركة الآن؟ هل نحن مستعدون لتحمل تبعاتها؟”.
أما في إيران، فقد بدأت حملات إلكترونية تدعو لتجنيد الشباب والانخراط في الدفاع عن الوطن، بينما أعلنت هيئة الأركان أن الرد القادم “لن يكون تقليديًا”. هذا التصريح فُهم منه تهديد باستخدام أسلحة نوعية غير مألوفة، ما زاد من الترقب والقلق على الصعيدين الإقليمي والدولي.
ختامًا، يبدو أن الضربة التي بدأت بضجيج الطائرات والصواريخ قد لا تنتهي بصمت. نحن أمام مشهد مفتوح على كل الاحتمالات: حرب إقليمية شاملة، أو مفاوضات تحت نيران التهديد، أو حتى إعادة رسم خريطة التحالفات في المنطقة. ما هو مؤكد أن الشرق الأوسط، كما عرفناه قبل 17 يونيو 2025، قد لا يعود كما كان بعده.