عاجل

سفينة “مادلين” في قبضة الاحتلال.. وغضب أممي وحقوقي

في مشهد بات يتكرر في ظل الصمت الدولي، أقدمت القوات البحرية الإسرائيلية على احتجاز سفينة المساعدات الإنسانية “مادلين”، التي كانت في طريقها إلى قطاع غزة، حاملة على متنها أدوية ومستلزمات طبية ومواد غذائية مخصصة للمدنيين المحاصرين في القطاع المنكوب. السفينة، التي أقلعت من أحد موانئ قبرص، كانت جزءًا من حملة تضامن دولية تهدف إلى كسر الحصار المفروض على غزة، لكنها لم تصل إلى وجهتها، بعد أن اعترضتها البحرية الإسرائيلية في عرض البحر.

تفاصيل عملية الاحتجاز

في ساعات الفجر الأولى، أكدت مصادر إعلامية وحقوقية أن البحرية الإسرائيلية حاصرت السفينة المدنية “مادلين” قبالة السواحل الفلسطينية، ومنعتها من التقدم باتجاه ميناء غزة. وأوضحت أن الجنود الإسرائيليين صعدوا على متن السفينة، واحتجزوا طاقمها، وصادروا محتوياتها، ثم اقتادوها إلى ميناء أسدود.

ووفقًا لمؤسسة “فلسطين الحرة” التي نظّمت الحملة، فإن السفينة كانت تحمل عددًا من النشطاء الدوليين، من بينهم أطباء وصحفيون وحقوقيون من عدة دول أوروبية، بالإضافة إلى مساعدات عاجلة للقطاع، الذي يشهد كارثة إنسانية متفاقمة منذ بدء الحرب الإسرائيلية الأخيرة في أكتوبر الماضي.

ردود فعل دولية غاضبة

سارعت الأمم المتحدة وعدد من منظمات حقوق الإنسان إلى إدانة الحادث، معتبرة أن احتجاز السفينة “انتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني”. وقال المتحدث باسم مفوضية حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة إن “استهداف السفن المدنية التي تحمل مساعدات إنسانية يمثل جريمة ينبغي محاسبة مرتكبيها، وخرقًا واضحًا لاتفاقيات جنيف”.

كما عبّر الاتحاد الأوروبي عن “قلقه البالغ” إزاء التصرف الإسرائيلي، داعيًا إلى الإفراج الفوري عن النشطاء المحتجزين، والسماح بإدخال المساعدات إلى غزة دون عوائق. وفي بيان منفصل، قالت منظمة العفو الدولية:
“إن حصار غزة أصبح أكثر وحشية من أي وقت مضى، واستهداف الجهود المدنية لكسر هذا الحصار هو استهداف للإنسانية جمعاء.”

رسالة رمزية وأثر معنوي

رغم أن حمولة السفينة “مادلين” كانت متواضعة مقارنة باحتياجات غزة الضخمة، فإن رسالتها كانت أكبر من مجرد نقل مساعدات. فقد أرادت أن تقول إن العالم لم ينسَ غزة، وأن هناك من لا يزال يحاول كسر جدار الصمت والتواطؤ الدولي.

وقال أحد منظمي الرحلة، النرويجي لارس أندرياسن، في تصريحات سابقة قبل انطلاق السفينة:
“نحن لا نحمل فقط أدوية وأغذية، بل نحمل رسالة أمل وإصرار على كسر الحصار، ولو رمزياً. نعلم أن إسرائيل قد تعترض طريقنا، لكننا نريد أن نفضح هذا الحصار أمام العالم.”

وتزامن إبحار “مادلين” مع تصاعد الدعوات الأوروبية والدولية لإجراء تحقيقات مستقلة بشأن الانتهاكات الإسرائيلية في غزة، خصوصًا في ظل الأرقام المفزعة عن أعداد الشهداء والجرحى وتدمير البنية التحتية.

صمت رسمي عربي وغضب شعبي

في المقابل، لم تُصدر غالبية الدول العربية أي موقف رسمي تجاه الحادث، وهو ما أثار انتقادات واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث عبّر كثير من النشطاء العرب عن غضبهم من استمرار الصمت الرسمي، واعتبروه “نوعًا من التواطؤ مع الاحتلال”.

وكتب أحد الناشطين المصريين على منصة “إكس”:
“سفينة تحمل دواءً وغذاءً لأطفال يموتون من الجوع، يتم احتجازها أمام أعين العالم، ولا بيان ولا استنكار. هذا العار لا يُمحى.”

سابقة تكررت في ذاكرة الحصار

حادثة “مادلين” تعيد إلى الأذهان الهجوم الإسرائيلي الدموي على سفينة “مافي مرمرة” التركية عام 2010، عندما اقتحمت القوات الإسرائيلية السفينة في عرض البحر وقتلت عشرة نشطاء أتراك كانوا على متنها. تلك الحادثة شكّلت حينها صدمة دولية، لكنها لم تُترجم إلى عقوبات جدية ضد إسرائيل، بل مضى الحصار في طريقه ليشتد ويتوحش عامًا بعد عام.

واليوم، مع تكرار المشهد، تتساءل المنظمات الدولية والحقوقيون: هل باتت الإنسانية مشروطة بالجغرافيا؟ وهل يُعاقَب من يحاول فقط إيصال دواء إلى أطفال تحت الحصار؟

غزة بين مطرقة المجاعة وسندان الحصار

في الوقت الذي تم فيه اعتراض “مادلين”، كانت مستشفيات غزة تُصدر نداءات استغاثة بعد نفاد الأدوية الأساسية، فيما أكدت تقارير أممية أن ما يزيد عن 70% من سكان القطاع مهددون بسوء تغذية حاد. ورغم كل النداءات، لا يزال الاحتلال يتحكم في المعابر، ويمنع وصول المواد الإغاثية، حتى من الأمم المتحدة نفسها.

واعتبر مراقبون أن احتجاز السفينة في هذا التوقيت هو رسالة مباشرة بأن الاحتلال لن يسمح بأي كسر لهذا الحصار، حتى لو جاء بشكل رمزي أو إنساني بحت.

في الختام: “مادلين” ليست النهاية

حادثة “مادلين” لن تكون الأخيرة، لكن تأثيرها يتجاوز حدود البحر. إنها صفعة جديدة في وجه الضمير العالمي، ودعوة للاستيقاظ من سبات الصمت. إنها تذكير مؤلم بأن غزة لا تعاني فقط من القصف، بل من التواطؤ، ومن عالم بات يرى في المساعدات جريمة، وفي التضامن تهديدًا.

ورغم القمع والاحتجاز، تبقى مثل هذه المحاولات شاهدة على أن صوت الإنسان لا يُقهر، وأن الحصار مهما طال، لا يمكن أن يحجب النور القادم من سفن الحرية.

عدد المشاهدات: 7