لماذا لا نشعر بلذة الصلاة؟ أخطاء صغيرة تحرمنا الطمأنينة

كم مرة وقفت تصلي ولم تشعر بشيء؟ ركعت، وسجدت، وأنهيت الصلاة، لكن قلبك ظل مشغولًا، وعقلك كان في مكان آخر. تشعر أنك أدّيت فرضًا جسديًا… دون روح. فهل فكرت يومًا بصدق: لماذا لا أجد في صلاتي ما وجده النبي ﷺ حين قال: «أرحنا بها يا بلال»؟
الخلل ليس في الصلاة… بل في القلوب
الصلاة بذاتها عبادة عظيمة لا نقص فيها، فهي الركن الثاني من أركان الإسلام، وهي أول ما يُحاسب عليه العبد يوم القيامة. لكن ما يُضعف أثرها في نفوسنا ليس الصلاة نفسها، بل ما نحمله نحن في قلوبنا إليها. قد تكون قلوبنا مكدّرة، مشغولة، تائهة… وقد نرتكب أخطاءً صغيرة تبدو غير مؤثرة، لكنها تحجب عنا الشعور بالسكينة والطمأنينة.
1- السرعة كأننا نُطارد الوقت
كثيرون يؤدون الصلاة وكأنهم في سباق مع الزمن. الركوع يمرّ سريعًا، والسجود لا يدوم إلا ثوانٍ. هذا النوع من الصلاة يفتقد الطمأنينة التي هي ركن من أركانها.
قال رسول الله ﷺ: «أسوأ الناس سرقة الذي يسرق من صلاته». فسأله الصحابة: “وكيف يسرق من صلاته؟” فقال: «لا يتم ركوعها ولا سجودها». أي أن العجلة تفقد الصلاة معناها، وكأنك مررت بها مرور الكرام دون أن تدخل في روحها.
2- الصلاة عادة لا لقاء
حين تتحول الصلاة إلى عادة تؤدى بلا تفكير، يفقد القلب اتصاله بالله. تصبح الصلاة مجرد حركات محفوظة تؤدى بطريقة آلية. لكن الصلاة الحقيقية تبدأ حين تدرك أنك في لقاء شخصي مع ربك، وأنه يسمعك ويراك في كل ركعة وسجدة.
من يعتبر الصلاة موعدًا مقدسًا مع الله، سيستعد له كما يستعد للقاء عزيز، وسيراه فرصة لتجديد الإيمان، لا مجرد واجب يُؤدى بسرعة لينتهي.
3- العقل المُشتت والهموم المتراكمة
كم مرة بدأت الصلاة وتذكرت فجأة شيئًا كنت نسيته؟ أو تذكرت مشكلة تؤرقك؟ أو شعرت أن عقلك يقفز من فكرة لأخرى دون توقف؟
العقل لا يهرب في الصلاة عبثًا… بل لأنه يرى فيها الوقت الوحيد الذي لا يُقاطَع فيه. لهذا يجب علينا تدريب أنفسنا على إغلاق أبواب التشتت قبل أن نبدأ الصلاة.
ردد قبل الصلاة: «اللهم أعنّي على حضور القلب، وأبعد عني وساوس الشيطان». وكرّرها بصدق، وستبدأ بملاحظة الفرق.
4- لا نفهم ما نقوله
الكثير منّا يردد آيات وسورًا دون أن يتدبر معانيها. فكيف سنخشع ونحن لا نفهم الكلمات التي نقولها؟
حين تقول: «الحمد لله رب العالمين»… استشعر أنك تشكر الله عن كل لحظة خير في حياتك. وعندما تقول: «مالك يوم الدين»… تذكّر رهبة يوم الحساب. وحين تركع قائلًا: «سبحان ربي العظيم»… استحضر عظمة الله في قلبك، لا فقط في لسانك.
الخشوع لا يأتي إلا بالتدبر، ولا تدبر بدون فهم. خصص بضع دقائق يوميًا لفهم معاني الفاتحة وما تقرأه في صلاتك، وستجد قلبك يتفاعل تدريجيًا.
5- ترك السنن الممهدة للخشوع
كثيرون يبدأون الصلاة فجأة دون تمهيد، وكأنهم قفزوا من مشاغل الدنيا إلى محراب العبادة دون أي إعداد. لكن السنن ليست تفاصيل هامشية، بل هي مفاتيح لتهيئة القلب.
- الوضوء بخشوع، مع دعاء بعده
- الأذكار القصيرة قبل الإقامة أو الأذان
- المشي للمسجد بهدوء دون استعجال
- قراءة آية أو دعاء قصير قبل تكبيرة الإحرام
كل هذه الأمور تُهيئ القلب لاستقبال النور… ومن يدخل الصلاة مهيّأً، يذوق طعمًا آخر لا يعرفه المتعجلون.
كيف نعيد لذة الصلاة؟
لذة الصلاة لا تُولد مع أول ركعة… بل تُبنى مع الوقت والممارسة والصدق. وإليك بعض المفاتيح التي تساعدك على استعادتها:
- استشعر وقوفك أمام الله في كل صلاة… كأنك تراه
- درّب نفسك على الخشوع كما تتدرب على مهارة جديدة
- اختر مكانًا هادئًا وابتعد عن مصادر التشويش
- صلِّ بروية ولا تتعجل الركعات
- ابدأ بالتدبر ولو في سورة واحدة… الفاتحة مثلًا
- اغلق هاتفك أو ضعه في وضع الطيران أثناء الصلاة
- تذكّر أن الصلاة ليست فرضًا فقط… بل راحة
الطمأنينة ليست خيالًا… بل ثمرة مجاهدة
لذة الصلاة ليست حلمًا بعيدًا… بل ثمرة مجاهدة وصبر وتدرّج. في البداية قد تخشع لدقيقتين، ثم لخمس، ثم تصبح الصلاة كلّها لذة لا تُوصف.
والعبرة ليست فقط أن نؤدي الصلاة في وقتها، بل أن نصليها وكأنها آخر صلاة لنا. أن نذوق فيها لحظة صفاء، ونسكب فيها دمعة، ونحس أننا فعلاً… التقينا بالله.
تذكّر: الصلاة ليست مجرد عبادة… بل هي علاج. هي لقاء، وراحة، وطمأنينة. فقط إن أحسنا الدخول إليها… دخلنا منها إلى قلوبنا.