تعيش المنطقة حالة من الترقب الشديد والقلق المتصاعد مع اقتراب ساعات المساء، وسط تقارير استخباراتية وتحليلات عسكرية تفيد بأن إيران ربما تُقدِم على تنفيذ هجوم عسكري وشيك، ربما يكون الأعنف منذ شهور. هذا التصعيد المحتمل يأتي في ظل تزايد التوترات الإقليمية، وتبادل الرسائل النارية بين طهران وخصومها، وعلى رأسهم إسرائيل والولايات المتحدة. فهل نحن على أعتاب ضربة كبرى قد تغيّر المشهد الاستراتيجي في الشرق الأوسط؟
مؤشرات على الأرض: تعزيزات وتحركات غير اعتيادية
خلال الساعات الماضية، رصدت وكالات استخباراتية غربية تحركات عسكرية غير تقليدية للقوات الإيرانية على الحدود الغربية، وخاصة في مناطق كرمانشاه وهمدان. كما أُبلغ عن نشاط مكثف للطائرات المسيّرة التابعة للحرس الثوري فوق الأراضي العراقية والسورية، في ما يبدو أنه تمهيد لهجوم منسّق متعدد الجبهات. في ذات الوقت، أفادت مصادر أمنية عراقية بأن الميليشيات الموالية لإيران في بغداد وكربلاء تلقت أوامر بالبقاء في “أقصى درجات الاستعداد”، تحسبًا لهجوم قد يبدأ مع حلول الظلام.
ماذا تقول طهران؟
رغم التكتّم الرسمي، أشار بيان صادر عن المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني صباح اليوم إلى أن “الرد على الاستفزازات الأخيرة سيكون حاسمًا ومفاجئًا وفي التوقيت المناسب”. ولم تُحدّد طبيعة هذا الرد، لكن توقيته يأتي بعد أيام من قصف استهدف منشأة إيرانية يُعتقد أنها جزء من برنامج الطائرات المسيّرة، نُسب إلى إسرائيل، ما أثار موجة غضب داخل الأوساط الأمنية والعسكرية الإيرانية. بالمقابل، لم تنفِ طهران مسؤوليتها عن إسقاط طائرة مسيّرة إسرائيلية دخلت مجالها الجوي الأسبوع الماضي.
السيناريوهات المحتملة: ضربات مباشرة أم بالوكالة؟
يرجّح محللون عسكريون أن تلجأ إيران إلى تنفيذ هجوم مزدوج: الأول عبر ميليشياتها المنتشرة في سوريا ولبنان والعراق، والثاني باستخدام ترسانتها من الصواريخ متوسطة المدى والطائرات المسيّرة. هذا الأسلوب يسمح لطهران بنفي المسؤولية المباشرة في حال تصاعدت الأمور دبلوماسيًا. لكن الخطر الحقيقي، بحسب ذات التحليلات، يتمثل في احتمال أن تختار إيران الرد مباشرة من أراضيها، ما سيقود إلى مواجهة مفتوحة مع إسرائيل، وربما تدخل الولايات المتحدة على الخط.
استعدادات إسرائيلية على أعلى مستوى
في المقابل، أعلنت إسرائيل مساء أمس عن رفع درجة التأهب القصوى في جميع قواعدها الجوية، كما نُشرت منظومات “القبة الحديدية” و”مقلاع داوود” في محيط تل أبيب والجليل والنقب. وأفادت وسائل إعلام عبرية بأن الجيش تلقى أوامر بالاستعداد لـ”ردع شامل وسريع” في حال تعرّض أي موقع داخل إسرائيل لهجوم. كما أُعلن عن إلغاء الإجازات لجنود الوحدات الخاصة، وتحريك بطاريات دفاعية إلى مواقع جديدة لم تُكشف تفاصيلها.
قلق دولي وتحركات دبلوماسية عاجلة
القلق من اندلاع مواجهة واسعة النطاق دفع واشنطن إلى تحريك قطع بحرية جديدة إلى شرق المتوسط، فيما أجرى وزير الدفاع الأميركي اتصالات عاجلة مع نظرائه في كل من إسرائيل والسعودية وقطر. من جهته، دعا الأمين العام للأمم المتحدة إلى “أقصى درجات ضبط النفس”، محذرًا من أن أي تصعيد إضافي قد يشعل المنطقة بأكملها. أما الاتحاد الأوروبي فطالب “جميع الأطراف بالعودة إلى طاولة المفاوضات”، مشيرًا إلى أن “الشرق الأوسط لا يحتمل حربًا جديدة في هذه اللحظة الحرجة”.
موقف الدول العربية: بين الحياد والتحذير
في العالم العربي، التزمت معظم العواصم الصمت حتى الآن، باستثناء الأردن الذي دعا مواطنيه إلى “الابتعاد عن مناطق التماس في المحافظات الشمالية”، في إشارة إلى احتمالية تأثره بأي تصعيد حدودي. فيما دعت السعودية إلى “تجنب التصعيد”، بينما عبّرت الإمارات عن “قلقها العميق” مما يجري، دون أن تتخذ موقفًا واضحًا من الطرف الذي قد يكون المسؤول عن التدهور المتوقع.
سيناريو “الساعة صفر”: متى يبدأ الهجوم؟
بحسب تقارير سربتها قنوات استخباراتية إسرائيلية، فإن الهجوم قد يتم في الساعة 9:30 مساءً بتوقيت طهران، أي 8:00 مساءً بتوقيت القدس. وتستند هذه التقديرات إلى بيانات من الأقمار الصناعية ترصد تحركات منصات الإطلاق، وإشارات مشفرة من أنظمة القيادة والسيطرة التابعة للحرس الثوري. كما تم رصد حالة استنفار في مطارات عسكرية إيرانية رئيسية، ما يشير إلى احتمال إطلاق موجة من الطائرات المسيّرة أو صواريخ كروز.
هل تملك إيران الجرأة للمواجهة الآن؟
يرى بعض المراقبين أن إيران قد لا تُقدِم على تنفيذ هجوم واسع الآن، وقد تكتفي بإجراء محدود يحمل رسالة تحذيرية فقط، دون التسبب في إشعال حرب كبرى. ويعزز هذا الاحتمال الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها طهران، والحاجة إلى عدم فقدان دعم حلفائها الإقليميين، الذين باتوا أكثر حذرًا من الانجرار لمعارك مفتوحة. ومع ذلك، فإن حسابات الردع، والمشاعر الوطنية المشتعلة داخل إيران، قد تدفع القيادة إلى قرار “لا عودة منه”.
ختامًا: المنطقة على شفا حفرة من النار
في ظل غياب التهدئة، وتبادل التهديدات، والتأهب غير المسبوق في كل من طهران وتل أبيب، تبقى كل السيناريوهات مطروحة. قد تمر الليلة بسلام، أو قد تتحول إلى شرارة نزاع إقليمي يعيد رسم خريطة الشرق الأوسط من جديد. العالم ينتظر، والأعين شاخصة نحو السماء، ترقبًا لانفجار محتمل… فهل تنفجر الليلة؟