عاجل

مأساة في ميونيخ: رجل يقتل عائلته وينتحر بعد خسارة وظيفته

في مشهد مأساوي صادم، استيقظت مدينة ميونيخ الألمانية صباح الأحد على واحدة من أبشع الجرائم الأسرية التي عرفتها خلال العقد الأخير، بعد أن أقدم رجل أربعيني على قتل زوجته وطفليه قبل أن يطلق النار على نفسه، تاركًا خلفه رسالة مدمرة كشفت عن دوافع يائسة تتعلق بالضغوط الاقتصادية وفقدان الأمل.

الشرطة الألمانية كشفت تفاصيل أولية عن الجريمة التي وقعت في شقة سكنية بمنطقة “نويماركت” الهادئة، وقالت إن الجاني يدعى “توماس بريندل”، ويبلغ من العمر 42 عامًا، وكان يعمل حتى وقت قريب مديرًا في شركة تكنولوجيا متوسطة الحجم، قبل أن يتم فصله الشهر الماضي بسبب تقليصات مالية.

الضحية الأولى كانت زوجته “ماريانا”، البالغة من العمر 39 عامًا، والتي عُثر عليها في غرفة النوم مصابة بطلق ناري في الرأس، تلاها الطفلان “إيلياس” و”جونا”، البالغين من العمر 8 و5 سنوات، حيث وجدا مقتولين في غرفتيهما. الجاني أطلق النار على نفسه بعد دقائق، وترك رسالة من ثلاث صفحات مطبوعة، وُجدت بجواره على المكتب.

في الرسالة، شرح بريندل كيف أن فقدانه لوظيفته جعله يشعر بأنه غير قادر على إعالة أسرته، وأنه كان يعاني من اضطرابات قلق واكتئاب منذ بداية العام، لكنه لم يحصل على الدعم الكافي سواء من شركته أو من المؤسسة الطبية التي لجأ إليها قبل أسابيع فقط. وقال في أحد مقاطع الرسالة:

> “أشعر أني محاصر. كل شيء ينهار. لا أرى مستقبلًا لأطفالي، ولا أتحمل فكرة رؤيتهم يتألمون.”

ما فاقم الأمر، بحسب التحقيقات، هو تراكم الديون على العائلة بعد شراء شقة بنظام التمويل العقاري، والتي توقف عن دفع أقساطها الشهر الماضي، إضافة إلى ديون بطاقة ائتمان تجاوزت 11 ألف يورو، بحسب السجلات المالية.

جيران العائلة أكدوا أن “توماس” كان يبدو شخصًا هادئًا ومحترمًا، لكنه في الشهور الأخيرة أصبح أكثر انطواءً، وقلّ تفاعله الاجتماعي بشكل ملحوظ. كما لاحظ البعض أنه لم يعد يصطحب أطفاله إلى المدرسة كما اعتاد، وظهرت زوجته مؤخرًا في حالة توتر أثناء الحديث مع إدارة المبنى حول تأخر الإيجار الشهري.

منظمة “MindAid” الألمانية للصحة النفسية علّقت على الحادثة ببيان جاء فيه أن “ما حدث هو نتاج مباشر لفشل النظام في توفير شبكات دعم طارئة للأسر التي تنهار تحت الضغط”، مشيرة إلى أن الإبلاغ المبكر عن الحالات النفسية يجب أن يُقابل بتحرك فوري وشامل، لا مجرد وصفة دوائية أو جلسة عابرة.

وفي المؤتمر الصحفي الذي عقدته شرطة ميونيخ، قال المتحدث باسمها:

> “هذه ليست جريمة كراهية، وليست مدفوعة بشجار عائلي. إنها مأساة تراجيدية ناتجة عن اليأس. نطلب من الإعلام احترام خصوصية العائلة وألا يتم تحويل الأطفال إلى مادة استهلاكية للمواقع.”

مكتب النائب العام أكد أن الأسلحة المستخدمة مرخصة قانونيًا، حيث كان بريندل يملك ترخيص صيد قديم، جُدد تلقائيًا العام الماضي، دون أي فحص نفسي إضافي رغم التعديلات التي اقترحتها الحكومة الفيدرالية بعد حوادث مشابهة وقعت سابقًا.

وقد أشعلت هذه القضية نقاشًا واسعًا في وسائل التواصل الاجتماعي حول مدى سهولة امتلاك الأسلحة النارية في ألمانيا، حتى بعد التعديلات الأخيرة التي استهدفت تقليص انتشارها، خاصة بين الأشخاص الذين يواجهون أزمات نفسية أو اقتصادية.

من جهتها، أعربت بلدية ميونيخ عن صدمتها وأعلنت تنكيس الأعلام في بعض المؤسسات التعليمية، كما تم تخصيص مرشدين نفسيين في المدارس التي كان الطفلان يرتادانها، حيث تم إلغاء الامتحانات لهذا الأسبوع.

وفي رسالة مؤثرة نشرتها مديرة مدرسة الطفل الأكبر على موقع المدرسة، كتبت:

> “إيلياس كان طفلًا ذكيًا ومحبوبًا. غيابه ترك فراغًا في قلوب زملائه. نحن في حالة حداد جماعي، ونتعلم درسًا قاسيًا: من الضروري أن ننظر حولنا ونُدرك من يحتاج للمساعدة، قبل فوات الأوان.”

القضية لم تُغلق بعد رغم أن هوية الجاني معروفة، إذ بدأت السلطات بتحقيق داخلي في شركة بريندل السابقة، بعد ورود معلومات بأن إنهاء خدمته تم دون إشعار قانوني كامل، مما قد يفتح بابًا لتعويض الأسرة، أو على الأقل تحميل الشركة مسؤولية اجتماعية وأخلاقية.

في النهاية، تبقى هذه الجريمة علامة صارخة على هشاشة الاستقرار الأسري في ظل الأزمات المالية، وتسلط الضوء على فجوة واضحة في التعامل مع الصحة النفسية للأباء، وتدفع باتجاه تساؤل جوهري: هل ننتبه كفاية لبعضنا قبل أن يتحول الصمت إلى مأساة؟

شارك المقال :

Avatar photo

Egaz

تم التحقق والنشر بواسطة فريق تحرير إيجاز نيوز

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *