في مباراة مثيرة شهدت العديد من التقلبات واللحظات الحماسية، نجح المنتخب الفرنسي في التغلب على نظيره الألماني بنتيجة 2-1، ليظفر بالمركز الثالث في دوري الأمم الأوروبية، في لقاء جاء بعد خيبة أمل الفريقين في الوصول إلى النهائي، لكنه لم يخلُ من الندية والإثارة.
وبرغم أن مواجهة تحديد المركزين الثالث والرابع لا تحظى عادةً بنفس الزخم الجماهيري الذي يصاحب المباراة النهائية، فإن المواجهة بين فرنسا وألمانيا حملت نكهة خاصة، نظرًا لتاريخ الصراع الكروي بين العملاقين الأوروبيين، ورغبة كل فريق في إنهاء البطولة بانتصار يحفظ ماء الوجه.
بداية حذرة وسجال تكتيكي
دخل المنتخبان المباراة وهما يعانيان من آثار الإقصاء في نصف النهائي. ألمانيا كانت قد خسرت أمام إسبانيا، بينما سقطت فرنسا أمام البرتغال. ومع بداية اللقاء، ظهرت الرغبة المشتركة في استعادة التوازن وتحقيق انتصار معنوي في ختام المشاركة.
الشوط الأول اتسم بالحذر، حيث انشغل كلا الفريقين بفرض السيطرة على وسط الملعب، مع اعتماد فرنسا على الانطلاقات السريعة لكيليان مبابي وديمبيلي، في حين اعتمدت ألمانيا على التمريرات القصيرة من خلال الثلاثي جوندوجان، موسيالا، وكيميش، دون فاعلية كبيرة على المرمى.
وجاءت الدقيقة 34 لتكسر حالة الجمود، حين تمكن أنطوان غريزمان من تسجيل الهدف الأول للمنتخب الفرنسي من تسديدة قوية على حدود منطقة الجزاء، باغت بها الحارس الألماني تير شتيغن، ليمنح “الديوك” أفضلية مستحقة في توقيت مثالي.
انتفاضة ألمانية ومباراة مفتوحة
مع انطلاق الشوط الثاني، بدت ملامح الانتفاضة الألمانية واضحة، حيث دفع المدرب جوليان ناغلسمان بورقة ليروي ساني الهجومية، مما أعطى المزيد من السرعة على الأطراف. وبعد مرور عشر دقائق فقط، نجح موسيالا في إدراك التعادل لصالح المانشافت بعد هجمة منسقة أنهاها بتسديدة ذكية من داخل المنطقة.
الرد الفرنسي لم يتأخر كثيرًا. ففي الدقيقة 68، ومن هجمة مرتدة سريعة، تمكن كيليان مبابي من تسجيل الهدف الثاني لفرنسا بعدما راوغ الدفاع ببراعة وسدد كرة أرضية لم يستطع تير شتيغن التعامل معها، ليعيد التقدم للزرق ويشعل أجواء المباراة من جديد.
تغييرات تكتيكية وتحكم فرنسي
بعد الهدف الثاني، حاول المنتخب الألماني العودة مجددًا للمباراة، لكن الدفاع الفرنسي بقيادة دايوت أوباميكانو ورافاييل فاران كان أكثر تنظيمًا في إغلاق المنافذ. في الوقت ذاته، أجرى المدرب الفرنسي ديدييه ديشان بعض التبديلات لتعزيز خط الوسط عبر إشراك كامافينغا وتواني.
واستطاعت فرنسا أن تتحكم في نسق المباراة خلال الدقائق الأخيرة، حيث قللت من خطورة الألمان وحافظت على الاستحواذ. ورغم محاولات ألمانيا المتأخرة لإدراك التعادل، فإن الحارس مايك مينيان تألق في التصدي لفرص خطيرة، أبرزها تسديدة فيرنر في الدقيقة 87.
نظرة على أداء الفريقين
بالنظر إلى الأداء العام، أظهرت فرنسا مرونة تكتيكية أكبر، وقدرة على التعامل مع ضغوط المباراة بذكاء. مبابي وغريزمان شكّلا تهديدًا دائمًا للدفاع الألماني، فيما تألق لاعبو الوسط في افتكاك الكرات وقيادة التحولات.
في المقابل، قدّمت ألمانيا شوطًا ثانيًا جيدًا هجوميًا، لكن مشاكل التغطية الدفاعية ظهرت بوضوح، كما بدا الفريق بحاجة لمزيد من الانسجام، خاصة مع اعتماد ناغلسمان على عناصر شابة ما زالت في طور البناء.
انتصار معنوي ورسائل للمرحلة القادمة
برغم أن اللقاء لا يندرج ضمن النهائيات الحاسمة، فإن فوز فرنسا منح الفريق دفعة معنوية مهمة، خاصة في ظل الانتقادات التي طالت المدرب ديشان عقب الخروج من نصف النهائي. وجاء الفوز على خصم بحجم ألمانيا ليعيد بعض الثقة قبل التحضير للاستحقاقات المقبلة، وفي مقدمتها كأس الأمم الأوروبية القادمة.
أما ألمانيا، فرغم الخسارة، إلا أنها خرجت ببعض الإيجابيات، خصوصًا من ناحية أداء اللاعبين الشباب الذين يُتوقع أن يشكلوا نواة الفريق في المستقبل القريب. وقد صرّح ناغلسمان عقب المباراة قائلاً: “الهزيمة مؤلمة، لكنها فرصة للتعلم والتحسين. الفريق يمر بمرحلة تجديد، وسنكون أكثر جاهزية في المستقبل”.
مستقبل واعد لدوري الأمم الأوروبية
من جهة أخرى، تؤكد هذه المواجهة مجددًا على قيمة دوري الأمم الأوروبية، التي ورغم حداثتها، باتت تخلق فرصًا حقيقية لتنافس كبير بين نخبة المنتخبات. وقد أثبتت النسخة الحالية أن البطولة ليست مجرد بديل للمباريات الودية، بل مساحة لصناعة لحظات كروية مميزة، وفرصة للتجريب في إطار تنافسي قوي.
وفي النهاية، خرج المنتخب الفرنسي منتصرًا ومتباهٍ بالمركز الثالث، بينما ستسعى ألمانيا إلى البناء على ما تحقق، مع إدراك أن الطريق إلى العودة إلى القمة يتطلب الاستمرارية والعمل الجماعي طويل الأمد.