من طفل مشرد إلى رائد أعمال ناجح: قصة صعود لم يتوقعها أحد

من طفل مشرد إلى رائد أعمال ناجح: قصة صعود لم يتوقعها أحد
📢 شارك القصة مع من تحب

في الزوايا المنسية تنبت المعجزات

في إحدى الزوايا المعتمة لأزقة حي فقير على أطراف العاصمة، وُلد س. لم يعرف من الحياة سوى أرصفة باردة تفترشها قدماه الصغيرة، وسماء غائمة تطل عليه من بين مباني متهالكة. لم يكن له بيت يأويه أو يد دافئة تحتضنه. كبر في الشوارع، يلهث خلف لقمة، يهرب من صوت رجال الشرطة، ويقتات على بقايا الطعام. لكنه رغم كل ذلك، كان يحمل في قلبه بذرة لم تُقتل: الأمل.

طفولة بلا مأوى… وبلا ملامح واضحة

في عمر الخامسة، كان س يتقن التنقل بين إشارات المرور، يعرف مواعيد انصراف حراس السوق، ويحفظ وجوه المارة أكثر مما يعرف شكل الحروف. لم يكن له فرصة ليلتحق بمدرسة، ولا من يرسم له حدود الصواب والخطأ. كل ما تعلّمه جاء من الشارع، من قسوة الحياة، ومن لحظات جوع تنقلب إلى كوابيس.

كان يبيع المناديل والبالونات عند إشارات المرور، يلاحقه رجال البلدية، يهرب تارة ويختبئ تارة أخرى. كان يرى الأطفال في عمره يدخلون المدارس، يحملون حقائبهم ويتحدثون عن واجباتهم، بينما يحمل هو كيسًا صغيرًا فيه كل ما يملك: قطعة خبز يابسة وورقة مهترئة.

الورقة الغامضة… وبداية التحول غير المتوقع

في أحد الأيام، جلس س بجوار حديقة عامة، مرهقًا من الجوع والركض. اقتربت منه سيدة خمسينية، ذات ملامح مطمئنة، ومنحته قطعة خبز وورقة مطوية، وهمست له قائلة: “احتفظ بها واقرأها كل صباح، ستفهم لاحقًا”. لم يكن يعرف القراءة، لكن عينيه تعلقتا بها. كانت تلك الورقة، رغم بساطتها، تحمل شيئًا من الغموض جعلها تبدو أثمن ما تلقّاه في حياته.

قرر في اليوم التالي أن يدخل المسجد القريب حيث يدرّس شيخ وقور الأطفال دون مقابل. جلس في ركن بعيد خجولًا، واستمع بصمت. بدأ يحضر يومًا بعد آخر، حتى لاحظ الشيخ إصراره، فاقترب منه وسأله عن اسمه وحكايته. ومنذ ذلك الحين، بدأ بتعليمه القراءة والكتابة، كلمة بكلمة، بصبر وحنان.

اكتشاف موهبة غير متوقعة… وأول خطوات الحلم

مع مرور الأشهر، تبيّن للشيخ أن س يتمتع بقدرة مدهشة على الحساب السريع وربط الأمور ببعضها. كان يتعلم بسرعة، يسأل كثيرًا، ويحل المسائل الذهنية قبل زملائه. رأى فيه الشيخ مشروع إنسان مختلف، فأوصى به لجمعية خيرية صغيرة، حيث حصل على فرصة لحضور دورات بسيطة في الحاسوب والمهارات الحياتية.

في تلك المرحلة، بدأ يعمل عامل نظافة في أحد المطاعم، وظل يراقب كل شيء: كيف يتحدث المدير مع الزبائن، كيف تُحسب الإيرادات، كيف تُعالج المشاكل. كان يعود كل يوم منهكًا، لكنه يحمل في رأسه أسئلة جديدة وأفكار كثيرة.

من عربة عصير إلى مشروع لافت

بعد عامين من الادخار، قرر أن يشتري عربة عصير متنقلة، يصنع فيها مشروبات طبيعية بنكهات شرقية. لم يكن لديه رأس مال كبير، لكنه امتلك أهم عنصرين للنجاح: النظافة والابتسامة. كانت عربته منظمة بعناية، وتفوح منها رائحة الفاكهة الطازجة. جذب الزبائن بسرعة، وأصبح معروفًا في الحي.

لم يكتفِ بالنجاح المحلي، بل بدأ بتطوير وصفات عصير فريدة، مثل الرمان بالريحان، أو الجوافة بالقرفة، وسوّقها على أنها “مشروبات تنعش الروح”. ومن خلال صفحات بسيطة على وسائل التواصل، بدأت قصته بالانتشار.

أول محل صغير… ثم سلسلة نجاح

في سن 22، افتتح س أول محل صغير في الحي نفسه الذي نام فيه يومًا على أرصفته. لم يكن المحل فاخرًا، لكنه حمل اسمه وكرامته وأمله. حرص أن يُوظّف شبابًا من نفس البيئة التي خرج منها، ليمنحهم ما افتقده هو: فرصة حقيقية.

كبر المشروع ببطء ولكن بثبات. بعد خمس سنوات، أصبح لديه سلسلة من 12 فرعًا، منتشرة في أكثر من محافظة، تُقدّم مشروبات صحية وتدرب الشباب على فن الإدارة والبروتوكول والبيع. ظهر س في مؤتمرات عن ريادة الأعمال، وكانت قصته تُروى بوصفها “ملحمة نهوض حقيقية”.

ما الذي غيّر مصيره؟

عندما سُئل عن السر، قال: “كانت الورقة نقطة التحول. بعد أن تعلّمت القراءة، فتحتها يومًا فوجدت مكتوبًا: كلما ضاقت بك الأرض، تذكّر أن الله أرحم من كل شيء. ظللت أتمسك بهذه العبارة في كل مرة أتعثر فيها.”

كما أشار إلى أهمية وجود شخص واحد فقط يؤمن بك، حتى لو كنت لا تؤمن بنفسك. وأضاف: “ذلك الشيخ الذي درّسني مجانًا، هو سبب أنني اليوم أعلم آخرين، وأفتح أبوابًا لأناس لم يطرقها أحد لهم من قبل.”

إلى من يشعر أن الحياة أقفلت أبوابها

قصة س ليست مجرد حكاية عن نجاح مالي أو مشروع ناجح، بل هي قصة عن الكرامة المستعادة، عن الإيمان بالمستحيل، وعن تحويل الهزائم اليومية إلى سلالم ترتقي بك. في كل لحظة يشعر فيها أحدهم أنه لا يملك شيئًا، فليتذكر أن هذا الشاب المشرد لم يكن يملك إلا قلبًا نابضًا بالفضول، وورقة صغيرة مكتوب فيها أمل.

وربما هذا كافٍ ليبدأ المرء رحلته.

📢 شارك القصة مع من تحب
53 / 100 نتيجة تحسين محركات البحث

اترك تعليقاً