إلى متى يتساءل الأمريكيون: لماذا يكرهنا العالم؟
في خضم النقاشات الجارية داخل الولايات المتحدة، يتزايد التساؤل: لماذا يخشى العالم القوة الأمريكية ويعاديها؟ هذا السؤال لا يزول بتبرير أو خطابات رسمية، بل ينبع من مراجعة عميقة لعلاقات تاريخية وحالية، وتقييم للسياسات والرموز التي باتت تُنظر إليها باعتبارها تجليات “الهيمنة الأميركية” أو حتى “الغرور المفرط”.
١. هالة القوة وراء الألقاب النمطية
داخل الصحافة العالمية ووسائل التواصل، تظهر تعابير كـ”الـ Ugly American” و”الغرور العالمي الأميركي” (Global arrogance)، وهذه التعبيرات ليست مجرد تجميد عاطفي بل تعكس إدراكاً متراكماً. ويكيبيديا تؤكد أن مصطلح “Ugly American” يشير إلى “سلوك متغطرس، ذو صوت عالٍ، يعامل الآخرين بازدراء” . أما “الغرور العالمي”، بحسب توماس فريدمان، فهو تعبير عن نفوذ ثقافي واقتصادي مُطلق يجعل الولايات المتحدة تتصرف كـ”قاعدة للنفوذ بلا حاجة للتواجد الفعلي” .
٢. السياسة الخارجية والإرث العسكري
على مدى عقود، ارتبطت السياسة الخارجية الأميركية بتوصيفات مثل “الإمبريالية الخفيفة”، لا سيما بعد التدخلات العسكرية في فيتنام والعراق. هذه التداخلات أُعيد نشرها في تقارير حديثة لنقد دور واشنطن في سياسات هجومية مستمرة . وحتى في قلب النقاش الأميركي الداخلي، تُنتقد معاهد البحث والتقارير الرسمية، وتظهر ميلًا باتجاه تجنب التدخلات (ما يسمى بـ”متلازمة فيتنام”) .
٣. تناقض المواقف بين الداخل والخارج
بحسب مركز بيو، يرى العالم أمريكا بمزيج من الإعجاب والرفض؛ فالبعض يثمن التكنولوجيا، والتعليم العالي، والثقافة الأميركية، بينما ينتقد نظامها الصحي، ومستوى المساواة والعدالة فيها . فبالخارج، توجد قدرات تقديرية، لكن هذا لا يمنع السخرية أو النقد من أسلوب السلوك السياسي والاجتماعي.
داخل الولايات المتحدة، تسود ظلال الاستقطاب السياسي وتوتر العلاقات الداخلية. الباحثون يشيرون إلى أن اللغة السياسية أصبحت أكثر عدوانية بعد ٢٠١٦، مع تبدأ حملات السب والتشهير، وتدفّق “كلمات الشيطان” التي تصف الخصم بكل أنواع المزايا الشريرة . هذا الأسلوب يزيد من الحساسية الخارجية تجاه نمط إدارة ترامب وسلفه.
٤. تطور الصورة الأمريكية سياسيًا
الخيارات المترددة تجاه قضايا دولية، مثل إنسحاب القوات من أفغانستان، ودعم إسرائيل في غزة، والتعامل مع روسيا وأوكرانيا، أثارت قلق البيروقراطية العالمية. مصدر رأي في إي سي إف آر الأوروبي لاحظ أن العداء تجاه ترامب ينبع أحيانًا من رؤيته الاستئصالية كتهديد للنخبة الأميركية والوضع القائم .
في المقابل، أعمال مثل ذا تايمز البريطانية طرحت سؤالًا حرجًا: هل أصبحنا نحن “الأشرار”؟ وتعكس التحول الجوهري في الخطاب السياسي الأميركي، من تبرير أخلاقي إلى سياسة مصالح صارخة، كما في موقف ترامب الذي يدعم روسيا على حساب أوكرانيا، رغم دعم شعبه التقليدي لكييف .
٥. الجمهور يرنو نحو الداخل
لا يقتصر الصراع على المستويات السياسية أو الدبلوماسية، بل يقع وسط شعبي يعرف بأن الأوطان المبنية على القوة المفرطة لا تصنع تفاهمًا دوليًا. يقول تقرير لـEurasia Group إن عامّة الناس باتوا يميلون أكثر إلى “أقل تدخلًا خارجيًا” ويريدون أن تركز السياسة على قضاياهم الداخلية . وهو اتجاه يدعمه تبادل الآراء، وحرص الانكفاء على القضايا الاجتماعية والتعليمية والصحية.
٦. خيارات مستمرة… صراع أيديولوجي
في شباب اليوم، لا تزال أميركا محط إعجاب للثقافة الأميركية، لكن ثمة شكوكا تتنامى في المواقع السياسية: هل يجب أن نقود العالم، أم نتعلم كيف نتفاعل؟ إن خيار “الأقرباء الطيبين” بديل مقترَح للانطواء الأميركي .
الخلاصة 💬
لعل السؤال “لماذا يكرهنا العالم؟” ليس فقط مرآة لما تفعله أميركا اليوم، بل انعكاس لطريق القديم من التدخل العسكري والتكبر الدبلوماسي. الصورة التي يروننا فيها ليست مستمدة فقط من قوتنا، بل من كيف نستخدمها: هل للخدمة الإنسانية أم للهيمنة؟
ولدينا الآن فرصتان: الأولى: نواصل التبرير والخطابات الداخلية. الثانية: نفتح التحاور العالمي جدّي، نلغي الأنماط التبجحية، نتبنى قيمًا تشاركية، ونعترف بأن الحضور الأمريكي الأقوى هو البقرباء والموظفون، لا الحازمين والحلّق المفروضين.
إذا أراد القارئ معرفة لماذا يُفضل الآخرون تجنبنا أحيانًا، فليبدأ بالسلوك وليس الهيبة، ولينظر لما يُبنى به الحوار، لا لوسام القوة.