خلفية المشهد
في أبريل 2025، شهد البيت الأبيض خلافاً غير مألوف ضمن أروقته، تخلله تصادم لفظي، ثم جسدي، بين اثنين من أبرز الشخصيات التي كانت في قلب إدارة دونالد ترامب: إيلون ماسك، الملاّك التنفيذي وشريك سابق في إدارة “كفاءة الحكومة الأميركية” (DOGE)، ووزير الخزانة سكوت بيسنت. ذكرت صحيفة واشنطن بوست نقلاً عن المعلق السياسي السابق ستيف بانون، أن خلافاً حاداً حول تعيين مسؤول جديد في دائرة الإيرادات الداخلية أطفأ فتيله صراعاً عنيفاً استدعى تدخّل عدد من الحضور لفضّه .
نقطة التحوّل: خلاف داخلي قديم :
وفقاً للتقارير، تقدم كلا الرجلين أمام الرئيس ترامب في المكتب البيضاوي بعرض خططه واختياراته لشغل منصب قيادي في مصلحة الضرائب. أعلن الرئيس في النهاية دعمه لخيار بيسنت، ما أثار استياء ماسك الذي بدا غير راضٍ . عقب ذلك، نشبت مشادة كلامية في ممرات البيت الأبيض، اشتدت حدتها: دفع فيها ماسك كتفه باتجاه صدر بيسنت، الذي رد عليه برد فعل عنيف وصف فيه ماسك بأنّه “محتال” قبل أن تتطور المناوشة إلى تبادل لكمات .
تدخل سريع ورد ترامب :
لحسن الحظ، تدخل عدد من الحضور بسرعة لفض الاشتباك الذي بدأ يتحول إلى شجار عام. غادر الرجلان المكان، لتصمت أروقة البيت الأبيض بعد أن علّق الرئيس ترامب لاحقاً، مصفّياً موقفه: “هذا كثير جداً”، في إشارة إلى أن هذا المشهد تجاوز ما يمكن التسامح معه في مكتب الرئاسة .
اسباب الخلاف الرئيسي :
يتداخل هذا المشهد مع خلافات أعمق بين ماسك وبيسنت وصار لها تأثيرات أوسع في إدارة ترامب:
1. تكتيكات ماسك “الوحشية” ونقص الحنكة السياسية: ربطت المصادر هذا النمط من التصرفات بتمزّق علاقاته بكبار المسؤولين داخل الإدارة، وبنسخه الفوضوي لإدارة DOGE، وهو المنصب الذي شغله حتى وقت قريب قبل أن يتراجع ليكرّس جهوده لأعماله الخاصة .
2. الاختلاف الأيديولوجي حول السياسات الاقتصادية: كانت الخلافات تتعمق بين توجهات ماسك التكنوقراطية التبشيرية لتخفيض الإنفاق، وبين نظرة بيسنت المستوحاة من المواقف التقليدية لحركة “اجعل أميركا عظيمة مرة أخرى”، وبالتالي اختلاف على هوية المصلحة وقيادتها المستقبلية .
3. الرسوم الجمركية: تضاعفت حدة الخلافات بعدما انتقد ماسك تعريفة ترامب في مطلع أبريل عبر منصة “إكس”، ثم حاول التأثير خلف الكواليس لدفع ترامب نحو التراجع. ولكن رغم التراجع لاحقاً، بقيت الخلافات قائمة داخل البيت الأبيض بين حزبي رئيس الإدارة .
تداعيات ما بعد الحادث :
الواقعة لعبت دوراً محورياً في انهيار العلاقة بين ماسك وترامب. فبعد واقعة البيت الأبيض، تصاعد الخلاف:
استمر ماسك في هجومه، ووصل إلى حد وصف ترامب بـ”الكاذب”، وطالب بعزله عبر منشورات على “إكس”، قبل أن يقوم بحذف بعضها .
ردّ ترامب بشدة، متهماً ماسك بعدم احترام منصب الرئاسة، وموضحاً أنه سيواجه “عواقب وخيمة” في حال دعم مرشحين ديمقراطيين، رغم تردده في إلغاء عقود شركات ماسك الحكومية مباشرة .
تحوّلت العلاقة إلى “قطيعة” رسمية، بعدما قال ترامب إنه “لا يخطط لإصلاحها” رغم الجهود المبذولة لتهدئتها خلف الكواليس .وفي الوقت نفسه، أثّرت هذه الأزمة على مكانة ماسك السياسية، وأشعلت الضوء على خلافات تلوح بالسياسات الجمركية المستقبلية، وغيّرت محيط قوّة ترامب في دوائر صنع القرار، بينما انخرط ماسك بشكل أعنف في الدفاع عن رؤيته الاقتصادية والفضائية المستقلة.
في خاتمة المشهد :
ما يجمع بين هذه الوقائع هو التوتر المزمن بين التكنولوجيا والرؤية السياسية السائدة: صعود “المنطق التقني-الإداري” على حساب “القوة السياسية النمطية” داخل البيت الأبيض، والنزاع بين الشعبوية والحلول الإنتاجية.
كانت لكمات أبريل لحظة رمزية: نقطة التقاء بين حسابات استراتيجية ضخمة وسياسات متضاربة، زلزلت مركز القرار ورسمت تضاريس ملامح قوى جديدة. سواء تناولتها لاحقاً الصحافة أو الاجتماعات، ستظل علامة دالة على أن علاقات القوة تتطلب حكمة لا تملكها أي إدارة، حتى تلك التي تدّعي أنها تقود “كفاءة متجددة”.