عاجل

استطلاع لمعاريف: المعارضة تتقدم ونتنياهو يفقد توازنه السياسي

في مؤشر جديد على تراجع شعبية رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، كشفت صحيفة “معاريف” الإسرائيلية نتائج استطلاع رأي حديث أظهر تقدمًا ملحوظًا لأحزاب المعارضة مقابل تراجع تحالف اليمين الحاكم. تأتي هذه النتائج في سياق مشحون بالأزمات السياسية والعسكرية، وفي ظل انتقادات متزايدة للأداء الحكومي، لا سيما في ما يتعلق بالحرب على غزة والتوترات الداخلية المتصاعدة.

المعارضة تكسب أرضًا على حساب الائتلاف الحاكم

وفق الاستطلاع، الذي أجرته مؤسسة “بانلز بوليتيكس” لصالح صحيفة معاريف، فإن حزب “المعسكر الرسمي” بزعامة بيني غانتس يواصل تحقيق مكاسب شعبية، متفوقًا على حزب “الليكود” الذي يقوده نتنياهو للمرة الثالثة على التوالي في استطلاعات الرأي. وأظهرت النتائج أن المعارضة، بمجموع مقاعدها المحتملة، باتت تملك القدرة على تشكيل حكومة جديدة، في حال أجريت الانتخابات اليوم.

هذا التحول اللافت يعكس حالة التململ العام داخل المجتمع الإسرائيلي، إذ بدا واضحًا أن شريحة واسعة من الناخبين قد بدأت تفقد ثقتها في قيادة نتنياهو، الذي ظل لفترة طويلة مهيمنًا على المشهد السياسي الإسرائيلي.

غانتس: البديل الجاهز؟

تضع هذه النتائج غانتس في موقع الصدارة، ليس فقط كمنافس قوي، بل كمرشح فعلي لرئاسة الحكومة المقبلة. فزعيم “المعسكر الرسمي”، المعروف بخلفيته العسكرية المعتدلة ونبرته السياسية المتزنة، أصبح اليوم يمثّل بالنسبة لكثير من الإسرائيليين “الخيار الآمن” بعد سنوات من الاستقطاب السياسي والانقسام المجتمعي.

ومن الجدير بالذكر أن غانتس انسحب في الأسابيع الماضية من حكومة الطوارئ التي شُكلت بعد هجوم 7 أكتوبر، احتجاجًا على ما وصفه بـ”الشلل السياسي والعجز عن اتخاذ قرارات حاسمة في إدارة الحرب”. هذا الانسحاب، بدلاً من أن يضر بشعبيته، يبدو أنه عزز صورته كقائد حازم وصاحب رؤية مستقلة.

الأزمة في غزة: نقطة تحول

يربط العديد من المحللين تقدم المعارضة بتدهور الوضع الأمني والإنساني في قطاع غزة، والتعقيدات التي تحيط بالحرب التي تخوضها إسرائيل هناك منذ أشهر. فقد تعرّضت حكومة نتنياهو لانتقادات داخلية حادة، حتى من داخل معسكر اليمين، بسبب غياب استراتيجية خروج واضحة من القطاع، والفشل في تحقيق “نصر حاسم” على حركة حماس.

إضافة إلى ذلك، فإن استمرار سقوط الجنود الإسرائيليين، وتزايد الضغوط الدولية، واتهامات “الاستعمال المفرط للقوة” التي تلاحق الجيش الإسرائيلي، أدت جميعها إلى تآكل رصيد نتنياهو الشعبي. كما تشير تقارير إعلامية إلى تصاعد التوتر بين نتنياهو وقيادات المؤسسة الأمنية، الذين يشعرون بأنهم يتحملون مسؤولية سياسية لا يملكون السيطرة عليها فعليًا.

نتنياهو في الزاوية: عزلة داخلية وخارجية

بات نتنياهو، وفق مراقبين، في أضعف مراحله السياسية منذ أكثر من عقد، حيث لا يواجه فقط معارضة متنامية في الشارع، بل بدأ يفقد تدريجيًا دعمه التقليدي في أوساط اليمين القومي والديني. كما أن حلفاءه من أحزاب “الصهيونية الدينية” و”شاس” و”يهودوت هتوراة” يبدون قلقهم من استمرار الارتباط به، خاصة إذا بات يُنظر إليه كعبء انتخابي.

على الصعيد الدولي، تراجعت صورة نتنياهو بشكل لافت. فقد أبدى البيت الأبيض، بلسان الرئيس جو بايدن، تحفظات متكررة على أدائه، خاصة فيما يتعلق بإدارته للحرب ورفضه المستمر لمقترحات وقف إطلاق النار أو التفاوض مع الوسطاء. كما تواجه إسرائيل انتقادات غير مسبوقة في المحافل الدولية، تُحمّل الحكومة الحالية المسؤولية المباشرة عن الكارثة الإنسانية المتفاقمة في غزة.

سيناريوهات ما بعد نتنياهو: انتخابات أم إعادة تشكيل؟

يرى المحللون أن تقدم المعارضة قد يدفع بعض أحزاب اليمين إلى التفكير في استبدال نتنياهو من داخل التحالف نفسه، تجنبًا لسيناريو انتخابات مبكرة قد تسقطهم جميعًا. لكن هذا الاحتمال يواجه عقبات قانونية وسياسية معقدة، في ظل تشبث نتنياهو بمنصبه، واستعداده لخوض معركة حتى اللحظة الأخيرة.

في المقابل، تستعد أحزاب المعارضة، بقيادة غانتس ويائير لابيد، لتوحيد صفوفها من أجل استغلال هذه اللحظة السياسية. لكن توحيد المعارضة لا يزال تحديًا، نظرًا لتعدد التوجهات السياسية والأيديولوجية داخلها، من اليسار العلماني إلى اليمين المعتدل.

الخلاصة: لحظة فارقة في السياسة الإسرائيلية

تكشف نتائج استطلاع “معاريف” عن تحول جذري في المزاج السياسي الإسرائيلي، يعكس تداعيات عميقة للحرب والأزمات الداخلية المتراكمة. فنتنياهو، الذي طالما تلاعب بتوازنات السياسة والشارع، يبدو اليوم محاصرًا من كل الجهات. وإذا استمرت هذه الديناميكيات على حالها، فقد تكون إسرائيل على أعتاب مرحلة جديدة، تُنهي عهدًا سياسيًا طال لأكثر من 15 عامًا.

لكن الطريق لا يزال مليئًا بالمفاجآت، خاصة في نظام سياسي هش مثل النظام الإسرائيلي، حيث لا يكفي تقدم المعارضة في الاستطلاعات لإسقاط الحكومة فعليًا، ما لم تتوفر الإرادة والقدرة على التغيير.

عدد المشاهدات: 11