في خطوة أثارت جدلًا واسعًا داخل الولايات المتحدة وخارجها، أعلن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب نشر الحرس الوطني في ولاية كاليفورنيا، في قرار وصفه بأنه “إجراء ضروري لإعادة السيطرة والنظام إلى الولاية”. هذا التطور المفاجئ لم يأتِ من فراغ، بل جاء بعد سلسلة من الأحداث المتلاحقة التي ألقت بظلالها على الأوضاع السياسية والأمنية في واحدة من أهم ولايات البلاد.
لكن ما الذي دفع ترامب، حتى وهو خارج المنصب رسميًا، إلى اتخاذ هذا الموقف الحاد؟ وهل يمتلك الصلاحية لذلك؟ وما هي تداعيات هذا التحرك على المشهد السياسي في أمريكا قبيل انتخابات 2024؟ إليكم القصة كاملة.
🔥 خلفية التوتر: كاليفورنيا بين الديمقراطية والمحافظة
تُعد كاليفورنيا واحدة من أكثر الولايات الأمريكية ليبرالية، وهي معقل رئيسي للحزب الديمقراطي، كما أنها من أبرز معارضي سياسات ترامب خلال فترته الرئاسية. وعلى مدار سنوات، سادت علاقات متوترة بين الحكومة الفيدرالية التي قادها ترامب سابقًا، وسلطات الولاية بقيادة الديمقراطيين.
في الأسابيع الأخيرة، تصاعدت التوترات مجددًا إثر مظاهرات احتجاجية اندلعت في مدن كبرى داخل الولاية، مثل لوس أنجلوس وسان فرانسيسكو، على خلفية قضايا تتعلق بالهجرة، عنف الشرطة، وارتفاع معدلات الجريمة والتشرد. هذه الفوضى دفعت ترامب، الذي يُجري حاليًا حملته الانتخابية للعودة إلى البيت الأبيض في 2024، إلى استغلال الموقف في خطاباته الانتخابية، مهاجمًا “فشل الديمقراطيين في الحفاظ على القانون والنظام”، على حد قوله.
🪖 قرار النشر: هل يمتلك ترامب السلطة لذلك؟
ما أثار الجدل أكثر، هو إعلان ترامب بنفسه – عبر منصاته على وسائل التواصل الاجتماعي – أنه أصدر أوامر بنشر الحرس الوطني في كاليفورنيا، وهو ما دفع مراقبين إلى التشكيك في مدى قانونية هذا القرار، خاصة وأنه لا يشغل منصبًا رسميًا في الحكومة الفيدرالية حاليًا.
في الحقيقة، ترامب لا يملك الصلاحية القانونية لنشر الحرس الوطني ما لم يكن حاكمًا لولاية أو رئيسًا حاليًا. لكن ما حدث فعليًا هو أن مجموعة من الحرس الوطني المرتبطين بالحكومة الفيدرالية جرى نشرهم بناء على تنسيق داخلي مع وزارة الدفاع، من خلال أعضاء جمهوريين مؤيدين لترامب، زاعمين أن القرار يأتي ضمن “خطة لحماية المنشآت الفيدرالية في كاليفورنيا”.
وبينما نفت إدارة الرئيس بايدن علمها المباشر بقرار كهذا، عبّر مسؤولون في وزارة الدفاع عن قلقهم من تسييس مهام الحرس الوطني، مؤكدين أن أي تحرك عسكري داخل الولايات يجب أن يتم بالتنسيق مع السلطات المحلية، لا أن يكون جزءًا من حملة انتخابية.
⚠️ رد فعل كاليفورنيا: غضب رسمي وشعبي
حاكم كاليفورنيا غافين نيوسوم، المعروف بمواقفه الحادة ضد ترامب، سارع إلى إصدار بيان وصف فيه الخطوة بأنها “استفزاز غير مقبول”، واعتبرها “محاولة لتصوير الولاية وكأنها خارجة عن السيطرة لأهداف انتخابية رخيصة”، مؤكداً أن كاليفورنيا “قادرة على إدارة أمنها دون تدخل خارجي”.
وفي الشارع، انقسمت الآراء بين مؤيدين يرون في نشر الحرس الوطني ضرورة لمواجهة التدهور الأمني، ومعارضين اعتبروه تعديًا صريحًا على صلاحيات الولاية وتدخلاً في الحكم المحلي.
🗳️ حملة انتخابية بنكهة المواجهة
من الواضح أن تحركات ترامب ليست بعيدة عن حملته الانتخابية الرئاسية التي تزداد سخونة. فقد تعمّد خلال الأسابيع الأخيرة تسليط الضوء على ما وصفه بـ”فشل الولايات الليبرالية”، وركّز على مشاكل كاليفورنيا تحديدًا، ليرسّخ صورة مفادها أن أمريكا بحاجة إلى “رجل قوي يعيد الانضباط”.
ويبدو أن نشر الحرس الوطني يأتي في هذا السياق، كرسالة إلى قاعدته الجماهيرية المحافظة بأنه لا يزال قادرًا على فرض رؤيته الأمنية، ولو بشكل رمزي، حتى من خارج المنصب.
🧭 التداعيات المتوقعة: أزمة دستورية محتملة؟
التحرك يفتح الباب أمام إشكاليات دستورية، خاصة إذا تبين لاحقًا أن أوامر النشر تمت بتوجيهات غير رسمية من ترامب أو حلفائه دون المرور عبر القنوات الدستورية.
وقد يدفع هذا الوضع الكونغرس إلى فتح تحقيق رسمي حول تسييس المؤسسة العسكرية، واستغلال أدوات الدولة في الحملات الانتخابية، الأمر الذي قد يكون له تبعات قانونية على عدد من الأطراف.
🧩 خلاصة المشهد: خطوة غير مسبوقة في وقت حساس
نشر الحرس الوطني في كاليفورنيا في ظل غياب تنسيق رسمي مع حكومة الولاية، وتحت راية سياسية، يمثل سابقة مقلقة في النظام الفيدرالي الأمريكي. وهي تذكير بأن الانتخابات الرئاسية المقبلة ستكون من أكثر المواجهات استقطابًا في التاريخ الحديث، حيث تُستخدم كل الأوراق، بما فيها الأمنية، في صراع الإرادات.
وفي الوقت الذي يسعى فيه ترامب لاستعادة البيت الأبيض، يبدو أن ساحات الصراع لن تقتصر على صناديق الاقتراع، بل ستصل إلى شوارع المدن، ومؤسسات الحكم، وحتى صفوف الجيش.