في تطور جديد قد يحمل ملامح انفراجة محتملة في الملف النووي الإيراني المتعثر، كشفت مصادر دبلوماسية مطّلعة أن الجمهورية الإسلامية في إيران تستعد لتقديم مقترح جديد إلى الولايات المتحدة بشأن مستقبل الاتفاق النووي، عبر وساطة سلطنة عمان. هذه الخطوة التي تأتي بعد شهور من الجمود السياسي، تفتح الباب مجددًا أمام جهود إحياء التفاهمات النووية المتوقفة منذ انسحاب إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب من الاتفاق عام 2018.
ورغم أن الطريق لا يزال محفوفًا بالعقبات، إلا أن استخدام إيران لمسقط كقناة خلفية لنقل مقترحاتها يعكس رغبة في تجنب التصعيد، والسعي لإيجاد أرضية مشتركة تسمح بإعادة فتح المفاوضات بطريقة تحفظ ماء وجه الطرفين.
سلطنة عمان: دور الوسيط الهادئ يعود إلى الواجهة
من المعروف أن سلطنة عمان لطالما لعبت دورًا محوريًا كوسيط هادئ في قضايا إقليمية شائكة، وعلى رأسها الملف النووي الإيراني. فقد كانت مسقط نقطة الانطلاق السرية للمحادثات التي أدت إلى توقيع الاتفاق النووي الأصلي في 2015، بين طهران والقوى العالمية الكبرى (5+1).
واختيار إيران لعُمان مجددًا يحمل دلالات مهمة، أبرزها الثقة الإيرانية المتواصلة في حياد سلطنة عمان وقدرتها على نقل الرسائل بحيادية، فضلاً عن علاقات مسقط الجيدة مع كل من واشنطن وطهران. وبحسب تقارير إعلامية، فإن المقترح الإيراني يتضمن خطوطًا عامة قد تُمهد لمفاوضات غير مباشرة، تحت إشراف سلطنة عمان، وبدعم أوروبي محتمل.
مضمون المقترح: توازن بين النووي والاقتصاد
بحسب مصادر مطلعة، فإن المقترح الإيراني الذي سيُقدَّم عبر القناة العمانية يتضمن استعداد طهران لاتخاذ خطوات تدريجية للحد من تخصيب اليورانيوم، مقابل رفع تدريجي للعقوبات الأميركية، خصوصًا في القطاعين النفطي والمصرفي. وتطالب إيران بضمانات بعدم تكرار سيناريو الانسحاب الأحادي من الاتفاق، كما حصل في عهد ترامب، بالإضافة إلى فتح قنوات مالية تسمح بتصدير النفط والحصول على العائدات دون عراقيل.
في المقابل، تصر الولايات المتحدة – كما أُشيع في اللقاءات غير المباشرة السابقة – على ضرورة إجراءات تقنية ورقابية صارمة، تشمل خفض مستوى التخصيب إلى أقل من 60%، والسماح لوكالة الطاقة الذرية بالدخول الكامل للمواقع النووية.
توقيت حساس وأزمات متشابكة
يأتي هذا التحرك الإيراني في ظل بيئة سياسية متوترة دوليًا وإقليميًا. فالشرق الأوسط يشتعل بالتوترات، من غزة إلى البحر الأحمر، فيما تحاول إدارة بايدن تحقيق نوع من التهدئة الإقليمية قبل الانتخابات الأميركية المقبلة.
وفي الوقت ذاته، تعاني إيران داخليًا من ضغوط اقتصادية متزايدة نتيجة استمرار العقوبات، والانخفاض الحاد في قيمة العملة، وتصاعد الاحتجاجات الاجتماعية. كل هذه العوامل قد تكون دفعت طهران إلى إعادة تفعيل خيار التفاوض، كأداة لتهدئة الداخل وكسر العزلة الدولية ولو جزئيًا.
ردود فعل متباينة
حتى الآن، لم يصدر أي تعليق رسمي من الولايات المتحدة على الخبر، لكن مراقبين في واشنطن وصفوا الخطوة بأنها “إيجابية ولكن مشوبة بالحذر”، في ظل الشكوك العميقة التي تهيمن على دوائر صنع القرار الأميركي تجاه نوايا إيران.
من جهة أخرى، اعتبرت الصحافة الإيرانية المقربة من الحكومة أن هذه المبادرة “تعكس حسن نية طهران” و”حرصها على منع التصعيد وفتح أبواب التفاهم”. في المقابل، حذرت أطراف في التيار المحافظ داخل إيران من تقديم “تنازلات مجانية”، خاصة في ما يخص البرنامج النووي الذي يُعتبر “أحد مصادر القوة الاستراتيجية للبلاد”، بحسب وصفهم.
العين على الانتخابات الأميركية والإيرانية
يرى محللون أن توقيت الخطوة الإيرانية ليس عشوائيًا، بل يرتبط بشكل وثيق بالتحضيرات للانتخابات الرئاسية في كل من الولايات المتحدة وإيران. ففي واشنطن، يواجه الرئيس بايدن ضغوطًا من الجمهوريين الذين يتهمونه باللين في التعامل مع طهران، بينما يسعى لتقديم إنجاز دبلوماسي في الشرق الأوسط يُحسب له قبيل انتخابات نوفمبر 2025.
أما في إيران، فإن الانتخابات الرئاسية المقررة في منتصف 2025 تمثل اختبارًا للنظام السياسي، في ظل تراجع شعبية التيار المحافظ الحاكم. وقد تكون أي انفراجة في الملف النووي ورقة انتخابية مهمة إذا ما تُرجمت إلى تحسن اقتصادي.
هل يُفضي المقترح إلى اختراق حقيقي؟
رغم الأجواء المتشائمة التي تسود العلاقات الأميركية الإيرانية منذ سنوات، فإن نقل المقترح عبر سلطنة عمان يمثل تحولًا في النبرة. فبعد التصريحات النارية والتهديدات المتبادلة، يعود الخطاب إلى مسار الدبلوماسية الحذرة.
لكن يبقى السؤال الأكبر: هل تمتلك كل من طهران وواشنطن الإرادة السياسية اللازمة للوصول إلى حل وسط؟ أم أن ما يجري مجرد مناورة لكسب الوقت وتهدئة الضغوط؟
الأسابيع المقبلة كفيلة بالإجابة، لكن ما هو مؤكد أن مسقط، العاصمة الهادئة، تعود مجددًا إلى قلب العاصفة النووية، حاملة على عاتقها مهمة صعبة: إعادة فتح باب الحوار في زمن يغلب عليه صوت المدافع والاتهامات المتبادلة.