في حادثة أثارت صدمة واسعة داخل إيران وخارجها، أعلنت مصادر إعلامية محلية ودولية صباح اليوم عن مقتل الرئيس الإيراني الأسبق محمود أحمدي نجاد في عملية يُكتنفها الغموض، وقعت بالقرب من مدينة شيراز جنوبي البلاد. وبينما تحاول السلطات الإيرانية استيعاب الصدمة، تتزايد التساؤلات حول ملابسات الاغتيال، والجهة التي قد تكون خلف هذا العمل، وسط مخاوف من أن تكون الحادثة جزءًا من تصعيد سياسي وأمني أكبر في الداخل الإيراني.
تفاصيل العملية: كمين مميت ومدروس بعناية
وفقًا لتسريبات من داخل الأجهزة الأمنية الإيرانية، فإن الهجوم وقع في ساعات الصباح الأولى، حين كان موكب نجاد في طريقه لزيارة موقع ديني في ضواحي شيراز. وبحسب تلك المصادر، فإن سيارة مفخخة كانت متوقفة إلى جانب الطريق انفجرت لحظة مرور الموكب الرئاسي السابق، ما أدى إلى مقتل أحمدي نجاد على الفور، إضافة إلى اثنين من عناصر حراسته، بينما أُصيب عدد من مرافقيه بجروح خطيرة، نُقلوا على إثرها إلى المستشفى وسط إجراءات أمنية مشددة.
المثير للانتباه أن العملية نُفذت بطريقة احترافية تُشير إلى وجود تخطيط مسبق ومعرفة دقيقة بتحركات الرئيس الأسبق، وهو ما جعل بعض المراقبين يشيرون إلى احتمال تورط جهات داخلية أو حتى دولية، تسعى لإحداث هزة في المشهد السياسي الإيراني المتوتر أصلاً.
من يقف خلف الاغتيال؟ فرضيات متعددة ولا جهة تعلن المسؤولية
حتى الآن، لم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن تنفيذ العملية، وهو ما يزيد من تعقيد المشهد ويُعطي مساحة أوسع للتكهنات. وفي ظل هذه الضبابية، توجهت أصابع الاتهام في الأوساط الإيرانية إلى جماعات معارضة للنظام، قد تكون تسعى لإحداث صدمة داخلية، خصوصًا مع تصاعد الاحتجاجات خلال الأشهر الماضية.
من جهة أخرى، لم تستبعد تحليلات سياسية احتمال تورط جهات خارجية لها مصلحة في زعزعة استقرار إيران، أو استهداف شخصيات ذات رمزية داخل التيار المحافظ. وذهبت بعض التقديرات إلى أن العملية قد تكون جزءًا من صراع أجنحة داخل النظام نفسه، خاصة في ظل التوترات المتصاعدة بين التيارات المتنافسة على النفوذ في مرحلة ما بعد المرشد الأعلى علي خامنئي.
من هو محمود أحمدي نجاد؟ ولماذا يُعتبر هدفًا حساسًا؟
ولد محمود أحمدي نجاد عام 1956، وتولّى رئاسة الجمهورية الإسلامية في إيران لفترتين متتاليتين من 2005 إلى 2013. ويُعرف بأنه أحد أكثر القادة الإيرانيين إثارة للجدل، حيث تبنّى خطابًا حادًا تجاه الغرب، خصوصًا الولايات المتحدة وإسرائيل، كما تميز بسياساته الشعبوية واهتمامه بالفئات الفقيرة.
خلال فترة حكمه، أثار أحمدي نجاد جدلاً واسعًا في الداخل والخارج، بسبب تصريحاته النارية حول المحرقة، وملف إيران النووي، ودعمه العلني لحركات المقاومة في المنطقة. ورغم خروجه من السلطة، ظل حاضرًا في المشهد الإيراني من خلال مواقف وتصريحات ناقدة لسياسات النظام، وهو ما أثار حفيظة الكثيرين في الدوائر العليا.
وبينما حاول خلال السنوات الأخيرة العودة إلى الحياة السياسية، إلا أن مجلس صيانة الدستور رفض ترشحه لانتخابات 2021، ما اعتُبر إشارة واضحة إلى أن المؤسسة الحاكمة لم تعد تتقبل مواقفه “المتمردة”، التي يرى فيها البعض محاولة لإعادة بناء قاعدة شعبية مستقلة عن النظام التقليدي.
لماذا الآن؟ التوقيت يثير القلق ويزيد الغموض
توقيت الاغتيال لم يكن عاديًا، فإيران تمر بمرحلة حساسة للغاية، تشهد فيها توترات متزايدة داخليًا بسبب الوضع الاقتصادي الصعب، وتصاعد الاحتجاجات، وخارجيًا بسبب الضغوط المتواصلة على برنامجها النووي.
وفي ظل هذه الظروف، يُنظر إلى اغتيال شخصية مثل أحمدي نجاد على أنه رسالة سياسية خطيرة، قد تعكس حجم التصدع داخل المؤسسة الإيرانية، أو ربما تحذير ضمني لأي شخصية قد تحاول تحدي السلطة القائمة. وتزداد هذه الفرضية قوة مع الحديث المتصاعد في الأوساط السياسية والإعلامية عن مرحلة ما بعد خامنئي، وإمكانية حدوث فراغ في مركز القيادة، ما قد يُطلق صراعات حادة بين القوى المحافظة والإصلاحية.
ردود الفعل: حداد رسمي وتوتر شعبي
بعد تأكيد نبأ اغتياله، أعلنت الحكومة الإيرانية الحداد الرسمي لثلاثة أيام، وأقيمت صلاة الغائب في عدد من المساجد الكبرى في طهران وأصفهان ومشهد. كما أعرب العديد من المسؤولين عن “أسفهم العميق” لفقدان ما وصفوه بـ”القيادي الوطني”، في حين دعا آخرون إلى التريث في الحكم وانتظار نتائج التحقيقات.
في الشارع الإيراني، سادت حالة من الحزن والقلق، خصوصًا بين الفئات التي كانت لا تزال ترى في أحمدي نجاد صوتًا معارضًا للفساد وللسياسات الاقتصادية التي أنهكت البلاد. وشهدت بعض المدن مظاهرات محدودة تطالب بكشف الحقيقة كاملة، ومحاسبة المسؤولين عن التقصير الأمني الذي سمح بوقوع هذه الجريمة.
مخاوف من تصعيد داخلي أو رد خارجي
في ضوء هذا الحدث، يرى محللون أن اغتيال أحمدي نجاد قد يكون بداية لموجة جديدة من التوترات الأمنية داخل إيران، وربما يُستخدم كذريعة لاتخاذ إجراءات أكثر تشددًا ضد المعارضين والنشطاء. كما لم يُستبعد أن تستغل بعض الجهات الدولية الحادثة لتوجيه انتقادات إضافية للنظام الإيراني، أو للضغط عليه في ملفات إقليمية، خاصة إذا ثبت وجود جهة خارجية وراء العملية.
وفي المقابل، قد تجد القيادة الإيرانية في الحادث فرصة لإعادة لملمة الصفوف، وتوجيه الرأي العام نحو “عدو خارجي”، كما جرت العادة في أوقات الأزمات.