في الوقت الذي تشتد فيه التوترات الإقليمية وتتعدد جبهات المواجهة، تواجه إسرائيل واقعًا ميدانيًا صعبًا وتحديات استراتيجية عميقة، رغم ما يُروَّج له إعلاميًا من نجاحات عسكرية جزئية. فبعد شهور طويلة من العمليات العسكرية في قطاع غزة وجنوب لبنان، بدأت المؤشرات تتوالى حول فشل تل أبيب في تحقيق الأهداف المعلنة، ما دفع القيادة الإسرائيلية إلى اللجوء سراً إلى الحليف الأميركي، في محاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
العمليات العسكرية تتعثر… والمقاومة تُغير قواعد الاشتباك
منذ انطلاق العملية العسكرية الإسرائيلية الأخيرة، كان الهدف المُعلن هو القضاء على ما تصفه تل أبيب بـ”التهديدات الوجودية”، وإضعاف البنية التحتية لفصائل المقاومة. إلا أن الواقع الميداني كشف عن صورة مختلفة تمامًا. فصمود الفصائل المسلحة، واستمرار إطلاق الصواريخ، وتوسيع دائرة المواجهة نحو العمق الإسرائيلي، أثبت أن المعركة لا تُدار لصالح تل أبيب كما هو متوقع.
وبحسب مصادر ميدانية مطلعة، فإن وحدات الجيش الإسرائيلي تعاني من إنهاك واضح وتراجع في المعنويات، خاصة في ظل افتقارها لأهداف دقيقة تحقق أثرًا استراتيجيًا حاسمًا. كما أن الهجمات المضادة، سواء من غزة أو الجنوب اللبناني، أربكت خطط القيادة العسكرية وأجبرتها على تغيير تكتيكاتها أكثر من مرة.
طلب النجدة من واشنطن: رسائل غير معلنة وتنسيق خلف الستار
في ظل هذا التعثر، كشفت مصادر دبلوماسية غربية عن أن الحكومة الإسرائيلية وجّهت خلال الأسابيع الماضية رسائل سرّية متعددة إلى الإدارة الأميركية، تطلب فيها مساعدة عاجلة تتضمن دعمًا استخباراتيًا نوعيًا، وتزويدًا بتقنيات عسكرية متطورة. كما طُرحت في بعض تلك الرسائل إمكانية شن ضربات جوية مشتركة ضد مواقع تعتبرها إسرائيل “أهدافًا عالية القيمة” في إيران وسوريا، بهدف خلط أوراق الخصوم وإعادة فرض قواعد اشتباك جديدة.
اللافت أن هذه الطلبات جاءت بعيدًا عن الإعلام، وبعيدًا عن الخطابات العلنية التي تروّج لقوة الجيش الإسرائيلي وقدرته على الحسم، وهو ما يكشف تناقضًا صارخًا بين الواقع الحقيقي والدعاية الرسمية.
ويرى مراقبون أن هذه التحركات تُعبّر عن إدراك متأخر لحجم المأزق الذي وقعت فيه تل أبيب، سواء من حيث عدم القدرة على الحسم السريع، أو من جهة تصاعد الضغط الدولي الرافض لتمادي العمليات العسكرية.
الحرب النفسية: فصائل المقاومة تنتصر على جبهات المعنويات
إلى جانب المعارك العسكرية، تخوض الفصائل الفلسطينية واللبنانية حربًا نفسية لا تقل تأثيرًا، تمكنت من خلالها من إحراج القيادة الإسرائيلية داخليًا، والتأثير على الرأي العام. فإظهار مشاهد لصواريخ تسقط في قلب المدن الإسرائيلية، وإعلانات الفصائل عن استمرار قدرتها على الرد، أسهم في زعزعة صورة الردع الإسرائيلي التي كانت تمثل ركيزة في استراتيجيتها الدفاعية.
كما أن الضغوط النفسية التي يتعرض لها الجنود والمدنيون على حد سواء، دفعت بأعداد متزايدة من الإسرائيليين إلى التظاهر ضد استمرار الحرب والمطالبة بوضع حد للنزيف. وتُظهر استطلاعات حديثة أن ثقة الشارع في المؤسسة العسكرية بدأت تتراجع، خاصة مع تزايد أعداد القتلى والجرحى، وتراجع القدرة على تقديم حلول مقنعة.
الداخل يغلي: تظاهرات وغضب شعبي يتصاعد ضد نتنياهو
الجانب الداخلي في إسرائيل لا يقل توترًا عن جبهات القتال. ففي الأسابيع الأخيرة، تصاعدت وتيرة الاحتجاجات الشعبية في عدة مدن إسرائيلية، بما فيها تل أبيب وحيفا والقدس، رافعة شعارات تطالب بوقف الحرب، وتنتقد الحكومة لعدم قدرتها على إدارة الأزمة بشكل فعّال.
الاحتجاجات لم تعد مقتصرة على النشطاء أو أحزاب المعارضة، بل شملت شرائح واسعة من المجتمع، بما فيها جنود احتياط وعائلات الجنود، الذين عبروا عن سخطهم من استمرار المعارك دون أفق واضح، في ظل تردي الأوضاع الاقتصادية وارتفاع أسعار السلع والخدمات، وتعثر الحياة اليومية.
ووفقًا لاستطلاع رأي أجرته صحيفة إسرائيلية كبرى، فإن شعبية رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو تراجعت إلى أدنى مستوياتها منذ عودته إلى السلطة، وسط مطالبات متزايدة بإجراء انتخابات مبكرة، ومساءلة الحكومة عن نتائج الحرب وآثارها الداخلية والخارجية.
الضغوط الدولية تتزايد… ومخاوف من انفجار إقليمي واسع
على المستوى الدولي، تواجه إسرائيل انتقادات متزايدة من منظمات حقوق الإنسان وبعض الدول الأوروبية التي تعتبر أن العمليات العسكرية تجاوزت حدود الدفاع عن النفس، وألحقت أضرارًا بالغة بالبنى التحتية المدنية. كما تتوالى التحذيرات من أن استمرار التصعيد قد يقود إلى تفجير صراع إقليمي أوسع، يجر أطرافًا جديدة إلى دائرة المواجهة، بما فيها إيران بشكل مباشر.
الولايات المتحدة، ورغم تحالفها التقليدي مع تل أبيب، تسعى إلى احتواء التصعيد، وتحاول عبر القنوات الخلفية إقناع القيادة الإسرائيلية بضرورة وقف العمليات المكثفة والعودة إلى التفاوض، أو على الأقل القبول بهدنة مؤقتة تفتح المجال للحلول السياسية.
الخلاصة: أزمة وجودية أم فرصة للمراجعة؟
ما تمر به إسرائيل حاليًا ليس مجرد عثرة ميدانية، بل يُمكن اعتباره أزمة استراتيجية تمس جوهر العقيدة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية، التي طالما اعتُبرت من بين الأقوى في المنطقة. وفي حال لم تنجح تل أبيب في تغيير نهجها أو تحقيق تقدم حقيقي على الأرض، فإن تبعات هذا الإخفاق ستستمر لسنوات، سواء على مستوى ثقة المواطن بالحكومة، أو على مستوى الردع الإقليمي.
في المقابل، قد يكون هذا الظرف فرصة لإسرائيل لمراجعة سياساتها، والخروج من منطق القوة العسكرية المطلقة إلى رؤية أكثر توازنًا تتضمن حلولًا سياسية عادلة تُنهي الصراع، بدلًا من استمراره بلا نهاية.