تحالفات نارية قد تغير المشهد: الصين وروسيا وإيران ماذا دار في جلسة مجلس الامن الاخيرة؟

تحالفات نارية قد تغير المشهد: الصين وروسيا وإيران ماذا دار في جلسة مجلس الامن الاخيرة؟

شهدت جلسة مجلس الأمن الأخيرة تصعيدًا غير مسبوق بين قوى الشرق الكبرى، حيث اصطفت كل من الصين وروسيا وإيران في محور سياسي بدا كأنه يعيد تشكيل ملامح النظام العالمي. جاءت الجلسة في ظل توتر عالمي متصاعد، خاصة مع اشتعال النزاعات الإقليمية في عدة بقاع من العالم، مثل أوكرانيا، الشرق الأوسط، والقرن الأفريقي.

في مداخلاتهم، ركز ممثلو الدول الثلاث على انتقاد السياسات الغربية التي قالوا إنها تُذكي الصراعات وتستغل المؤسسات الدولية كأداة للهيمنة. المندوب الصيني أشار إلى ما وصفه بـ”الازدواجية في المعايير”، مطالبًا بإعادة التوازن للسياسات الأممية بما يراعي مصالح الدول النامية والناشئة. بينما وصف المندوب الروسي الوضع الحالي بـ”الخطير على الأمن والسلم الدوليين”، مؤكداً أن موسكو لم تعد تقبل بأن تكون قرارات الحرب والسلام حكرًا على الدول الغربية.

أما إيران، فقد عبّرت بلهجة حادة عن ما وصفته بـ”الاستفزازات المستمرة” في محيطها الجغرافي، في إشارة إلى التواجد الأمريكي العسكري في الخليج، والضغوط السياسية والاقتصادية المفروضة عليها. وقال مندوبها إن بلاده “ستواجه أي تهديدات بحزم”، ملوحًا بأن السياسة الأحادية لم تعد تمر دون رد.

ثلاثي جديد… هل يولد توازن مضاد؟

الجلسة شهدت أيضًا انسجامًا نادرًا في الخطاب بين هذه الدول، حيث طالب الثلاثي بإعادة النظر في آليات اتخاذ القرار داخل مجلس الأمن، مؤكدين أن العالم لم يعد يحتمل استمرار الهيمنة الغربية على القرارات الدولية. دعوا إلى إصلاح بنية المجلس، وإعادة توزيع صلاحيات “الفيتو” بما يضمن التوازن ويمنع الاحتكار السياسي من جانب دول بعينها.

وفي مقابل هذا التحالف، وقفت الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا، في موقف دفاعي، حيث اتهمت هذا المحور بمحاولة عرقلة جهود السلام الدولية، وتغذية الأزمات عبر دعم جماعات مسلحة ونُظُم غير ديمقراطية في مناطق الصراع.

الدول المحايدة: قلق مكتوم ومخاوف معلنة

وبينما عبّرت بعض الدول المحايدة عن قلقها من هذا التوتر داخل أروقة أهم جهاز أممي، يرى مراقبون أن هذه الجلسة قد تكون بداية لتحولات أكثر عمقًا في خريطة التحالفات الدولية، وربما تؤسس لمرحلة جديدة من المواجهات السياسية، لا تقتصر على التصريحات والخطابات، بل قد تمتد إلى قرارات ميدانية في ساحات النزاع المختلفة.

دول مثل الهند والبرازيل وجنوب أفريقيا، والتي غالبًا ما تحاول اتخاذ مواقف متزنة، وجدت نفسها أمام خيارين: إما تأييد دعوات الإصلاح وتوسيع التعددية في اتخاذ القرار، أو الوقوف على الحياد خشية الصدام مع أي من المعسكرين.

خلفيات التحالف: المصالح تتقاطع

قد يتساءل البعض: ما الذي يجمع بين الصين وروسيا وإيران؟ الجواب يكمن في المصالح الاستراتيجية المتقاطعة. فالصين، التي تسعى لبناء مشروعها الاقتصادي العملاق “الحزام والطريق”، تبحث عن استقرار جيوسياسي يمكنها من التحرك بحرية في آسيا والشرق الأوسط. وروسيا، المنخرطة عسكريًا في أوكرانيا وسوريا، تريد كسر العزلة الدولية المفروضة عليها. أما إيران، فهي تواجه عزلة اقتصادية وسياسية خانقة وتسعى إلى توسيع تحالفاتها لتخفيف الضغط الغربي.

وقد ظهر جليًا أن هذه الدول، رغم تباين أنظمتها السياسية والثقافية، تتشارك في هدف مشترك: تقويض النظام العالمي الأحادي القطب، الذي تهيمن عليه واشنطن منذ نهاية الحرب الباردة.

الجلسة في عيون الإعلام

تلقت هذه الجلسة اهتمامًا واسعًا من الإعلام الدولي، حيث اعتبرتها بعض الصحف الغربية “إشارة على انقسام دولي خطير”، بينما وصفتها وسائل إعلام شرقية بأنها “صحوة عالمية لكسر الاستعمار الحديث”. وقد برزت تغطيات تتحدث عن “تشكيل جبهة مقاومة دبلوماسية”، في مواجهة تكتل غربي يبدو أكثر توترًا وانفعالًا.

في المقابل، لم تصدر عن الأمانة العامة للأمم المتحدة أي تعليقات مباشرة بشأن الجدل الدائر، مكتفية بالدعوة إلى “التحلي بالمسؤولية والالتزام بميثاق الأمم المتحدة”.

هل يلوح في الأفق صدام أم توازن جديد؟

وفقًا لتحليلات سياسية، فإن التحالف الثلاثي بين الصين وروسيا وإيران قد لا يبقى في إطار التنسيق الكلامي، بل يمكن أن يتطور إلى تحالف سياسي واقتصادي أوسع، وربما حتى عسكري في بعض المناطق الحساسة. فالتقارب الروسي الإيراني في سوريا، والتعاون الاقتصادي الصيني الإيراني، والعلاقات الوثيقة بين موسكو وبكين، كلها مؤشرات على ولادة محور جديد في العلاقات الدولية.

لكن في المقابل، يرى آخرون أن ما يجمع هذه الدول لا يكفي لتأسيس تكتل قوي مستدام، نظرًا لاختلاف أجنداتها الداخلية وتوجهاتها الإقليمية. كما أن العزلة الغربية القاسية، والعقوبات الاقتصادية، قد تُضعف قدرة هذه الدول على فرض أجندة بديلة فعلية.

ختامًا: مشهد عالمي على حافة التغيير

ربما لا تكون هذه الجلسة مجرد محطة عابرة في تاريخ مجلس الأمن، بل بداية حقيقية لتحوّلات كبيرة في موازين القوى الدولية. فبين من يسعى لتفكيك هيمنة قطب واحد، ومن يدافع عن النظام الحالي، يقف العالم اليوم أمام مفترق طرق.

وإذا استمرت وتيرة التوتر والتباين بهذا الشكل، فإن السنوات القادمة قد تشهد إعادة صياغة للنظام العالمي برمّته. والسؤال المطروح اليوم ليس من يهيمن؟ بل: هل يمكن للعالم أن يستمر بمنظومة أحادية في عصر تتعدد فيه المصالح وتتشابك فيه النزاعات؟

الصورة الرمزية

تم التحقق والنشر بواسطة فريق تحرير منصة إيجاز نيوز الإخبارية.

64 / 100

نتيجة تحسين محركات البحث

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

✕ إغلاق
موقع إيجاز نيوز الإخباري غير مسؤولا عن محتوي المواقع الخارجية