السودان يشهر تعديلًا وزاريًا دفاعيًا – خطوة عابرة أم بداية لتحوّل سياسي؟

في تعديل محدود لكنه يحمل أبعادًا استراتيجية واضحة، أصدر رئيس الوزراء الانتقالي كامل الطيب إدريس، قرارًا وزاريًا شمل حقيبتي الدفاع والداخلية، تم بموجبه تعيين الفريق حسن داؤود كيان وزيرًا للدفاع، والفريق شرطة بابكر سمرة مصطفى علي وزيرًا للداخلية. هذه التغييرات تأتي في وقت بالغ الحساسية، وسط حرب أهلية مستمرة منذ أبريل 2023، وتدهور أمني واقتصادي حاد يعصف بالبلاد.
جاء التعديل في أعقاب تشكيل الحكومة الانتقالية برئاسة إدريس الذي تسلم مهامه مطلع يونيو 2025، بعد سلسلة من الحكومات المتعثرة منذ الإطاحة بنظام البشير. وقد أعلن إدريس حينها أن حكومته ستكون حكومة “ترشيد وأمل”، معلنًا تقليص عدد الوزارات إلى 22 وزارة فقط، وتقليص الإنفاق وتوحيد المؤسسات، بما يضع حداً لما أسماه “الحكومات الموازية”.
يُعد تعيين وزير دفاع جديد في السودان خلال هذا التوقيت خطوة سياسية بالغة الأهمية، خصوصًا في ظل اشتباكات يومية بين الجيش وقوات الدعم السريع. الفريق حسن داؤود كيان، المعروف بانضباطه العسكري وسيرته المهنية الهادئة، يُتوقع منه أن يعيد التوازن داخل المؤسسة العسكرية التي واجهت تحديات داخلية وخارجية بسبب الانشقاقات والضعف في القيادة والتسليح.
أما وزارة الداخلية، التي بقيت دون وزير فعلي منذ فترة طويلة، فقد أُسندت إلى الفريق شرطة بابكر سمرة، صاحب الخلفية الأمنية الواسعة في مجالات الشرطة ومكافحة التهريب والجريمة المنظمة. تعيينه يأتي في وقت حرج، حيث تواجه البلاد انفلاتًا أمنيًا في عدة ولايات، وارتفاعًا حادًا في الجرائم، إضافة إلى مشكلات تهريب السلاح والبشر من وإلى دول الجوار.
ويرى مراقبون أن التعديل الوزاري يسعى إلى تحقيق ثلاثة أهداف رئيسية: أولًا، استعادة السيطرة على المؤسستين الأمنيتين (الجيش والشرطة) عبر تعيين شخصيات عسكرية قوية لكن منضبطة. ثانيًا، بث رسالة طمأنة للمجتمع الدولي حول التزام الحكومة الانتقالية بإعادة هيكلة الدولة وإرساء أسس النظام المدني. ثالثًا، محاولة امتصاص الغضب الشعبي المتزايد من تدهور الأوضاع الأمنية.
غير أن هذه الخطوة لم تمر دون انتقادات، فقد عبّرت بعض القوى المدنية عن تحفظها تجاه “العسكرة المتزايدة” للحكومة الانتقالية، خاصة أن التعيينات الجديدة لم تشمل أي شخصية مدنية أو تكنوقراط مستقل. وفي المقابل، رحبت قيادات في الجيش والدعم السريع بالتعديل، واعتبروه “خطوة نحو الاستقرار التنظيمي والإداري”.
توقيت التعديل أيضاً لافت، حيث جاء بعد سلسلة من الانتقادات الدولية حول أداء الحكومة الانتقالية في مجالات حقوق الإنسان، وانتهاكات الحرب، وفشلها في توفير بيئة آمنة للعمل الإنساني. وقد ربط بعض المراقبين بين هذا التعديل وبين ضغوط أممية وأفريقية لتسريع عملية الإصلاح المؤسسي قبل إعادة إطلاق مسار التفاوض السياسي المتوقف.
من جهة أخرى، يواجه الوزيران الجديدان تحديات ضخمة، أبرزها كيفية التنسيق بين الدفاع والداخلية لوقف الاشتباكات الداخلية وتأمين العاصمة والولايات الكبرى. كما يُنتظر منهما تقديم خطط واضحة لإعادة هيكلة الجيش والشرطة بما يتماشى مع مخرجات اتفاق جوبا للسلام.
ويتفق محللون على أن هذا التعديل، رغم محدوديته، يعكس نية لدى رئيس الوزراء لتوسيع سلطته التنفيذية وتجاوز مرحلة “تسيير الأعمال” التي اتسمت بها الحكومات الانتقالية السابقة. ولكنهم في الوقت ذاته يحذرون من أن غياب الدعم السياسي والشعبي الحقيقي قد يُفشل هذه الخطوات، كما فشلت محاولات سابقة للتغيير.
في السياق ذاته، شددت منظمات دولية، من بينها الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي، على ضرورة أن تترافق هذه التعديلات مع خطوات ملموسة في مسار التحول المدني، بما في ذلك إعادة بناء الثقة مع الشارع السوداني، وتمكين القوى المدنية من المشاركة الحقيقية في صناعة القرار.
ومع أن الفريقين كيان وسمرة لا يحملان خلفيات سياسية مثيرة للجدل، إلا أن انتماءهما الواضح للمؤسسة العسكرية قد يُقرأ كإعادة رسملة للحكم العسكري، وهو ما تخشاه فئات واسعة من المجتمع السوداني، خصوصًا في ظل غياب جدول زمني واضح لنقل السلطة إلى المدنيين.
في المحصلة، يبقى السؤال مفتوحًا: هل يشكل هذا التعديل مجرد “ترتيب إداري” في زمن الحرب، أم أنه يشير إلى بداية انطلاقة جديدة نحو بناء دولة القانون والمؤسسات؟ الإجابة تتوقف على مدى نجاح الفريقين الجديدين في احتواء الأزمة الأمنية، وبناء جسور الثقة مع الشارع السوداني، وخلق بيئة ملائمة للانتقال الديمقراطي الفعلي.
51 / 100
نتيجة تحسين محركات البحث