نصف ذهب السودان إلى الإمارات وروسيا… اقتصاد تحت الحصار وسلطة موازية تنسج تجارة سرية

نصف ذهب السودان إلى الإمارات وروسيا… اقتصاد تحت الحصار وسلطة موازية تنسج تجارة سرية
شارك موضوع الخبر
Facebook Twitter Telegram WhatsApp

الخرطوم – 27 يونيو 2025
أشارت صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية في تحقيقٍ جديد إلى أن أكثر من نصف إنتاج الذهب السوداني — أحد أهم مصادر العملة الصعبة في البلاد — يُهرب سنويًا إلى الخارج، تتصدر منه الإمارات وروسيا القائمة كوجهتين رئيسيتين لهذا الشريط غير الرسمي من الاقتصاد السوداني .

1. خلفية الأزمة: إنتاج وفائض لكن عائد مفقود

ويمثل السودان واحدًا من أهم منتجي الذهب في أفريقيا، مع إنتاج سنوي يقدر بأكثر من 100 طن، ويُعد هذا المعدن الحيوي العمود الفقري لاقتصاد يعاني من انهيار العملة، ارتفاع التضخم، وتراجع الاستثمار الأجنبي. إلا أن ما لا يقل عن 50% من هذا الإنتاج — أي نحو 50 طناً سنوياً — يفارق البلاد عبر طرق غير رسمية، مما يحرم البنك المركزي وميزانية الدولة من موارد شحيحة تتسابق نحو الانهيار.

2. وجهتا تهريب الذهب: الإمارات وروسيا في الصدارة

وفق التقرير، تُعد الإمارات الوجهة الأهم لتسويق الذهب السوداني، نظراً لشبكات تجارية معقّدة تسهل تدوير المعدن وإعادة بيعه عالميًا. تليها روسيا، حيث يرتبط تجار سودانيون بعلاقات مع وسطاء روس لإعادة تصديره عبر أسواق عدة، خاصة في الشرق الأوسط وأوروبا.
ولا تزال هناك دول أخرى تلعب دوراً طفيفاً في الخطوط الخلفية، لكنها أقل تأثيرًا مقارنة بالدولتين الرئيسيتين.

3. من يربح ومن يخسر؟

حجم المال المُهرب من الذهب يعزز ممن يملكون النفوذ في دوائر الدولة؛ حيث يتمتع تجار الذهب غير المنظمين بوصول سريع إلى خارج البلاد، بينما تبقى الحكومة عاجزة عن فرض النظام أو تحصيل ولو جزء من الضريبة والمستحقات الرسمية.
والخاسر الأكبر في هذه المعادلة هو المواطن السوداني، الذي يرى سعر الجنيه يشهد انهيارًا متسارعًا، مع غلاء المعيشة وتفاقم أزمات البطالة، في حين تبقى أرباح السوق الأسود تتراكم بعيدًا عن شفافية المؤسسات الرسمية.

4. سلطة موازية: دور الشبكات غير الرسمية

يمكن وصف المشهد على أنه “اقتصاد ظل” ترتبط به شبكة من الوسطاء، ضباط سابقين، وشخصيات نافذة تجمع بين النفوذ السياسي والتجاري. هذه الطبقة تستفيد من إضعاف قدرات الدولة على التتبع والتحصيل، وقد تمكّنت من نسج شبكة محكمة تنقل المعدن خارج الحدود بطريقة شبه قانونية.

5. لماذا يتكرر السلوك؟

هناك عوامل عدة تدفع تجار الذهب إلى اختيار الطرق غير الرسمية:

أسعار مغرية تتجاوز السعر الرسمي: غالبًا ما تسجل أسعار بيع الذهب في السوق الخارجي علاوة تتراوح بين 10 إلى 30% مقارنة بالسعر الرسمي.

مخاوف من التأخيرات والبيروقراطية: إجراءات ترخيص وتصدير رسمية عبر البنك المركزي أو الجهات المختصة تأخذ وقتًا طويلاً، تجعل التجارة الرسمية خيارًا غير جدير بالاهتمام عند التجار.

نقص الرقابة والفساد الإداري: ضعف التشريعات الحكومية وغياب المحاسبة لنفقات وموارد التعدين الرسمي يعززان من فرص التهرب.

6. العقبات أمام الإصلاح

الحكومة الانتقالية ووزارة المعادن تواجهان تحديات تاريخية؛ أولها ضعف القدرة على الضبط وسط تداخل السلطات الأمنية والعسكرية، وثانيها غياب البدائل الحقيقية لاقتصاد السكان المحليين، خاصة في المناطق التعدينية.
حاولت السلطات مؤخرًا فرض نظام لتتبع الذهب، لكن التنفيذ ظل محدوداً، وغالباً ما يقع تحت ضغوط حقيقية من جهات نافذة.
كما أن تغيير هوية من يتحكم في القطاع —إما الدولة أو المستثمر- قد يفضي إلى اصطدامات سياسية وأمنية مهددة للاستقرار.

7. سيناريوهات ممكنة

إذا استمر تهريب الذهب دون ضبط، فإن السودان سيخسر مزيداً من العملة الصعبة، وسط تضخّم خارق وانهيار محتمل للقدرة الشرائية للمواطنين.
في المقابل، فإن فرض نظام تتبع شفاف يسمح بعودة جزء هذه الكميات على الأقل إلى خزائن الدولة، ما قد يوفر دعماً لاحتياط النقد الأجنبي.
لكن نجاح أي استراتيجية تقنين يعتمد على تكامل منحى تكاملي:

تمكين البنية القانونية القوية (تشريعات جديدة).

تحصين الدعم السياسي للرقابة ضد الفساد.

إيجاد محفزات اقتصادية لتجار الذهب للتخلي عن السوق الأسود.

شراكات دولية تساعد في إعادة هيكلة الصناعة، خاصة في المناطق المتأثرة بالنزاع.

8. دروس من دول أخرى

تشير تجارب دول مثل غانا وأوغندا إلى أن تحسين الشفافية وتكوين اتحاد لتجار الذهب الشرعيين وفرض عقوبات صارمة على التهريب أدى إلى تحسين إيرادات الدولة وتحقيق نمط جديد من التنمية المحلية في المناطق التعدينية.
يحتاج السودان إلى تبني نماذج تكاملية تتضمن تسجيل كامل للمعاملات، شهادات تتبع للمعدن، وتقنيات لبصمة الذهب، مع إشراك المجتمع المدني المحلي.

فتهريب نصف ذهب السودان بعيداً عن هيئات الدولة ليس مجرد حادثة معزولة، بل منهجية مبنية على فساد تنظيمي، شبكة مصالح ثرية، وانهيار أدوات الرقابة. إذا أراد السودان إنقاذ اقتصاده وترميم مؤسساته، يجب أن يجعل من تقنين صادرات الذهب أولوية وطنية عاجلة، عبر إجراءات ردعية تحمي التجارة الشرعية، وتشرك الجهات المحلية والدولية في مسار واضح نحو الشفافية.

إدارة قطاع الذهب الآن تمثل امتحاناً حقيقياً لنضج الدولة السودانية الانتقالية؛ فإما أن تستعيد زمام مواردها، أو تواصل النزيف المالي وتفقد سيادتها على أحد أشهر كنوز الأرض السودانية.

الصورة الرمزية

تم التحقق والنشر بواسطة فريق تحرير منصة إيجاز نيوز الإخبارية.

61 / 100

نتيجة تحسين محركات البحث

شارك موضوع الخبر
Facebook Twitter Telegram WhatsApp

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

✕ إغلاق
موقع إيجاز نيوز الإخباري غير مسؤولا عن محتوي المواقع الخارجية