إيمان يوسف: الوجه الجديد للسينما والموسيقى السودانية في زمن الحرب والشتات

إيمان يوسف: الوجه الجديد للسينما والموسيقى السودانية في زمن الحرب والشتات

وسط العواصف السياسية والانهيارات الإنسانية التي تعصف بالسودان منذ أبريل 2023، يبرز صوت فني شاب يتميز بالأصالة والتنوع والجرأة، إنه صوت الفنانة إيمان يوسف. استطاعت هذه الشابة السودانية أن تضع اسمها ضمن قائمة النجوم الصاعدين على الساحة الإقليمية والدولية، من خلال مسيرة استثنائية مزجت فيها بين السينما، والموسيقى، والعمل المجتمعي، في صورة جديدة للفنان السوداني الذي لا يكتفي بالفن، بل يجعله أداة للمقاومة والتغيير.

من الخرطوم إلى “كان”: بداية لم تكن عادية

ولدت إيمان يوسف في الخرطوم عام 1992، وترعرعت في بيئة أكاديمية حيث درست إدارة الأعمال، وحصلت على درجتي البكالوريوس والماجستير من جامعة الخرطوم. لم تكن البداية مرتبطة بشكل مباشر بالفن، لكنها لم تكن بعيدة عنه؛ إذ شاركت خلال سنوات الدراسة في الأنشطة الثقافية والغنائية، وأسست مع زملائها جوقة موسيقية في كلية الإدارة، أدت فيها أغاني طربية وحديثة بصوتٍ نقي وحضورٍ لافت.

التحول الجذري في مسيرتها جاء عام 2023، عندما شاركت في بطولة فيلم “Goodbye Julia”، الذي أخرجه محمد كردفاني، وجسّدت فيه شخصية “منى”، وهي امرأة مسيحية جنوبية تواجه تحديات الهوية والتمييز وسط تحولات سياسية واجتماعية في السودان. الأداء المؤثر الذي قدمته إيمان أكسبها إشادة نقدية واسعة، واعتبرها كثيرون مفاجأة الفيلم.

الفيلم نفسه حقق إنجازًا تاريخيًا بكونه أول فيلم سوداني يُعرض في مهرجان كان السينمائي، حيث فاز بجائزة الحرية. وقد كانت إيمان يوسف جزءًا محوريًا في نجاحه، ليس فقط بأدائها التمثيلي، بل أيضًا بظهورها اللافت خلال الفعاليات، حيث مثّلت صوتًا شابًا معبرًا عن السودان ما بعد الثورة.

من الشاشة إلى الصوت: موهبة موسيقية لا تقل بريقًا

بعد أن أثبتت حضورها على الشاشة الكبيرة، كشفت إيمان يوسف عن جانب آخر من موهبتها: الموسيقى. وفي حدث عفوي نوعًا ما، انتشر مقطع مصور لها وهي تغني داخل معرض فني في أم درمان، ما جذب اهتمام أحد المنتجين السودانيين الشباب. لم يمض وقت طويل حتى شاركت في أول عمل موسيقي لها بعنوان “Tell Me How?” إلى جانب مغني الراب السوداني “Nile”، الذي يعيش في الولايات المتحدة. الأغنية حملت طابعًا عاطفيًا سياسيًا، وتناولت مشاعر التيه والانقسام التي يعيشها الشباب السوداني داخل الوطن وخارجه.

تلت هذه التجربة أغنيتها الثانية “Where Is The Dream?”، التي كتبتها بنفسها بعد اندلاع الحرب الأخيرة. الأغنية جاءت كنداء حزين ومؤلم للسلام، لكنها حملت أيضًا نغمة تحدٍ وأمل، وقد لاقت صدى واسعًا على منصات التواصل الاجتماعي، وتم بثها على إذاعات عربية ودولية كصوت شبابي يعبر عن الألم السوداني بطريقة إنسانية وفنية راقية.

الفن في المنفى: القاهرة كمنصة انطلاق جديدة

مع تفاقم الحرب ونزوح الآلاف من السودانيين، اضطرت إيمان لمغادرة الخرطوم في أبريل 2023، واستقرت في القاهرة، حيث وجدت ملاذًا آمنًا وبيئة خصبة لمتابعة تطوير أدواتها الفنية. هناك، التحقت بعدد من ورش العمل الموسيقية والتمثيلية، وبدأت تتعلم العزف على آلة القانون التي وصفتها بأنها “امتداد طبيعي لصوتها الداخلي”. في القاهرة، شاركت في حفلات فنية نظمها الشتات السوداني، كما ظهرت في فعاليات إنسانية لدعم اللاجئين والفنانين المتضررين من الحرب.

وعن تجربتها الجديدة، تقول إيمان:

> “المنفى ليس فقط مكانًا بديلًا، بل هو فرصة لرؤية الذات بعيون مختلفة. الفن في المنفى أكثر حدةً وصدقًا، لأنك لا تمتلك شيئًا سوى صوتك وقصتك”.

وجه ثقافي ومجتمعي: ما بعد الفن

لا تكتفي إيمان يوسف بكونها فنانة، بل ترى في نفسها أيضًا صوتًا نسائيًا يمثل جيلاً يبحث عن التغيير. تنشط بشكل دوري في مبادرات تهدف لتمكين النساء، وتستخدم منصاتها على مواقع التواصل لنشر رسائل عن الهوية، والعدالة، وحق التعليم والثقافة في ظل الحرب والنزوح.

في مقابلة لها مع قناة “فرانس 24″، شددت إيمان على أن الفن ليس ترفًا، بل ضرورة، قائلة:

> “حين يتوقف الجميع عن الإصغاء، يصبح الفن هو الوسيلة الوحيدة للحديث عن أنفسنا، وعن مشاكلنا التي نخجل منها أو نخاف أن نبوح بها”.

مستقبل مشرق رغم الغموض

رغم التحديات الكبيرة التي يواجهها الفن السوداني، من تضييق وغياب البنية التحتية، فإن وجود أصوات مثل إيمان يوسف يمنح الأمل في استمرارية المشهد الفني. تعمل حاليًا على مشروع فيلم قصير تدور أحداثه حول فتاة سودانية لاجئة في القاهرة، وتحضّر في الوقت نفسه لألبوم غنائي يمزج بين الموسيقى التراثية السودانية والإلكترونية الحديثة، بالتعاون مع منتجين من أوروبا.

كما تلقت دعوات للمشاركة في مهرجانات دولية للفيلم القصير والموسيقى العالمية في كل من ألمانيا وكندا، ما يجعلها على أبواب مرحلة جديدة من النجومية العابرة للحدود

خاتمة: صوت السودان الشاب في مواجهة العاصفة

إيمان يوسف ليست فقط ممثلة ومغنية، بل هي تجسيد حي لروح السودان الجديدة: جيل يرى الفن وسيلة للشفاء، والذاكرة، والنضال، لا مجرد ترف أو احتفال. عبر صوتها وصورتها وكلماتها، تعيد تشكيل هوية السودان المعاصر في مواجهة الحرب والانقسام، وتفتح بابًا للأمل بأن الفن سيظل قائمًا، ولو على أنقاض مدينة تحترق.

ففي وقت يعجز فيه السلاح عن فرض حلول، ربما يكون الغناء والتمثيل والقصص الإنسانية هو ما يمنح الناس قدرة على البقاء والحلم.

الصورة الرمزية

تم التحقق والنشر بواسطة فريق تحرير منصة إيجاز نيوز الإخبارية.

62 / 100

نتيجة تحسين محركات البحث

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إيجاز نيوز
موقع إيجاز نيوز الإخباري غير مسؤولا عن محتوي المواقع الخارجية