2.5 مليون لاجئ يستوفون معايير التوطين: الأمم المتحدة تطلق صافرة الإنذار

في ظل تصاعد الأزمات الجيوسياسية والنزاعات المسلحة، أطلقت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين تقريرًا تحذيريًا جديدًا يشير إلى وجود ما يزيد عن 2.5 مليون لاجئ يحتاجون إلى إعادة توطين عاجلة خلال عام 2026. هذا الرقم، وإن بدا أقل من إحصاء العام السابق الذي بلغ 2.9 مليون، إلا أنه يكشف عمق الأزمة الإنسانية التي يواجهها العالم مع استمرار العنف وعدم الاستقرار السياسي في عدد من الدول.
مَن هم اللاجئون الذين ينتظرون التوطين؟
وفقًا للتقرير، فإن أكبر عدد من اللاجئين المطلوب نقلهم إلى وجهات جديدة ينحدرون من أفغانستان وسوريا وجنوب السودان والسودان وميانمار وجمهورية الكونغو الديمقراطية. يتجاوز عدد اللاجئين الأفغان وحدهم نصف مليون، ما يعكس عمق الأزمة الممتدة في هذا البلد منذ عقود. كذلك، لا يزال اللاجئون السوريون في طليعة التحديات الإنسانية، في ظل تعثّر الحل السياسي واستمرار انهيار البنية التحتية داخل البلاد.
تراجع الدعم الدولي.. أزمة إضافية
رغم الحاجة المتزايدة، تشير مفوضية اللاجئين إلى تراجع ملحوظ في التزامات الدول باستقبال هؤلاء اللاجئين. فعلى مدار السنوات الماضية، كانت دول مثل الولايات المتحدة وكندا وألمانيا والسويد في مقدمة الدول التي فتحت أبوابها، إلا أن التغييرات السياسية، وموجات اليمين الشعبوي، وأزمات ما بعد الجائحة، دفعت بعدة دول إلى تقليص أو تعليق برامج إعادة التوطين بشكل شبه كامل.
تمويل متقلّص ومساعدات غير كافية
التحدي لا يقتصر على عدد الدول المستقبِلة، بل يمتد إلى العجز الحاد في التمويل الذي تعاني منه المفوضية. ويؤثر ذلك بشكل مباشر على قدرة المنظمات الإنسانية على تقديم خدمات الإيواء والرعاية الصحية والتعليم والغذاء في مخيمات اللجوء. فبدون التزامات مالية واضحة ومستدامة، يتحول ملف اللاجئين إلى أزمة مزمنة، لا سيما مع تصاعد الاحتياجات اليومية لهؤلاء المهجّرين قسرًا.
التوطين ليس رفاهية.. بل ضرورة إنسانية
تعتمد مفوضية اللاجئين على برامج إعادة التوطين كأحد الحلول الثلاثة الأساسية في إدارة النزوح، إلى جانب العودة الطوعية والاندماج المحلي. وبالنسبة للعديد من اللاجئين، خاصة أولئك الذين يواجهون خطرًا مباشرًا على حياتهم أو حرياتهم في بلدان اللجوء المؤقت، فإن التوطين هو السبيل الوحيد للبقاء على قيد الحياة. يتضمن ذلك النساء المعرضات للعنف، وأفراد مجتمع الميم، وضحايا التعذيب، والمرضى الذين يحتاجون إلى رعاية متخصصة.
مبادرات محدودة الأثر
تسعى بعض الدول إلى تعويض النقص في استقبال اللاجئين من خلال تقديم منح أو مساهمات مالية للمفوضية. ورغم أن هذه المساعدات مرحّب بها، إلا أنها لا تمثل بديلًا حقيقيًا لإعادة التوطين. فاللاجئ الذي يُحرم من الدخول إلى بيئة آمنة ومستقرة سيبقى عرضة لمخاطر التهريب والاستغلال، بما في ذلك الاتجار بالبشر والعمالة القسرية.
قضية الروهينغا: مأساة مستمرة في الظل
من بين الحالات الأشد تعقيدًا تبرز قضية أقلية الروهينغا، حيث يعيش مئات الآلاف منهم في مخيمات بائسة على حدود بنغلاديش منذ سنوات دون أي أفق واضح للتوطين أو العودة. وقد بيّن التقرير الأممي أن الروهينغا يشكلون ما يزيد عن 230 ألف لاجئ بحاجة لإعادة توطين عاجلة، في ظل صمت دولي شبه تام.
ما المطلوب الآن؟
دعت الأمم المتحدة المجتمع الدولي إلى مراجعة جادة لسياساته المتعلقة باللاجئين، خصوصًا مع تصاعد أعداد النازحين قسرًا عالميًا، والتي تجاوزت 120 مليون شخص في منتصف عام 2024. ومن المتوقع أن يُعقد مؤتمر دولي في جنيف مطلع 2026 لمناقشة خطط التوطين وإعادة توزيع الحصص العادلة بين الدول القادرة على الاستقبال.
مصير ملايين البشر على المحك
ما بين تصاعد النزاعات وتراجع التمويل وتقلص الحصص، يواجه العالم منعطفًا حاسمًا في التعامل مع أزمة اللاجئين. 2.5 مليون شخص لا يبحثون عن رفاهية، بل عن فرصة للنجاة وبداية جديدة. فهل سيكون هناك استجابة عالمية ترقى إلى مستوى التحدي؟ أم أننا بصدد كارثة إنسانية صامتة تزداد اتساعًا عامًا بعد عام؟