رمت أطفالها الثلاثة وهربت… وعندما اكتشف الجيران السبب، بَكوا معها!

في صباح خريفي هادئ، وبين جدران حي شعبي بسيط، كانت شمس يوم جديد تتسلل بخجل عبر النوافذ المتربة. لكن الصمت المعتاد لتلك الساعة تمزق فجأة بصراخ أطفال حفاة يطرقون أبواب الجيران، بعينين يملؤهما الجوع والخوف. ثلاثة أطفال، لا يتجاوز أكبرهم السابعة، يبحثون عن فتات خبز… أو لمسة حنان.
في الشقة المجاورة، هرعت “أم ح”، جارة شابة، إلى الباب، لتجد طفلة تبكي بحرقة وهي تقول: “ماما راحت… وإحنا جعانين…”. دخلت السيدة بسرعة، وقلبها يخفق بقوة، لتجد الشقة خالية إلا من عبث الأطفال، وبعض الصحون المتسخة، وورقة صغيرة على الطاولة… ووسادة مبللة بالدموع.
الرسالة التي كسرت القلوب
كانت الورقة مهترئة الحواف، كأن من كتبها تردد كثيرًا قبل أن يخط حروفه المرتجفة عليها:
“سامحوني… أنا مش أم وحشة، بس تعبت. كل يوم أولادي بيصحوا جعانين، وأنا مش لاقية أكلهم. بحاول أشتغل، أبيع مناديل… محدش بيشترى، ومفيش رحمة. يمكن لو مشيت، حد يشوفهم ويحن عليهم.” – سهام
لم تكن “سهام” مجرد اسم على ورقة. كانت إنسانة تنهار بصمت. فتاة في مقتبل العمر، لم تتجاوز الـ23، حملت مسؤولية أمومة ثقيلة دون سند، بعد أن هجرها الزوج واختفى في لحظة أنانية قاتلة، تاركًا وراءه ثلاثة صغار وأمًا وحيدة في مهب الريح.
الأحكام الجاهزة… ظالمة دائمًا
كانت بعض الجارات قد وسمتها من قبل بكونها “مهملة” أو “مستهترة”. لم تكن ترتدي ما يرضي المجتمع، ولا تخرج كثيرًا، وكانت ترفض مشاركة معاناتها مع أحد. لكن عندما ظهرت الورقة، وسُمع صوت الصغار وهم يبكون وهم يتوسلون: “إحنا جعانين!”… انكشفت الحقيقة.
لم تكن تلك أمًا مهملة، بل روحًا وصلت إلى حافة الانهيار، حتى فقدت القدرة على الصمود. شابة حاولت، وجربت كل الحيل، وطرقت كل الأبواب، لكن الحياة صمتت في وجهها… فاختارت أن تختفي على أمل أن يجد أولادها من يحنو عليهم.
الشارع يبحث عنها… والقلوب تدعو لها
تحرك الجيران بسرعة. أُبلغت الشرطة، وهرعت وحدة حماية الطفل، وبدأت جمعية أهلية في متابعة حالة الأطفال. في نفس الوقت، انتشرت القصة كالنار في الهشيم على وسائل التواصل الاجتماعي، وبدأت فرق من المتطوعين تبحث عن “سهام” في المستشفيات، محطات القطار، وحتى الحدائق العامة.
ثلاثة أيام مرت، كأنها دهر. وفي اليوم الرابع، وجدها أحد المتطوعين في ركن منزوٍ بمحطة رمسيس، تجلس على الأرض، تحتضن نفسها كأنها تختبئ من العالم. لم تبكِ بصوت، بل كانت الدموع تتساقط بصمت تام، ووجهها شاحب كمن لم يأكل منذ أيام.
اقترب منها المتطوع برفق، وناداها باسمها. لم تقاوم، لم تسأل حتى من هو… فقط همست: “أولادي كويسين؟”
العودة من الحافة… حين يفتح المجتمع قلبه
عادت “سهام” إلى الحياة من جديد، لا وحدها، بل محاطة بأذرع رحيمة. الجمعية الأهلية تبنّت حالتها بالكامل. أُعطيت شقة صغيرة مفروشة في حي أكثر أمانًا، وتم إلحاقها بوظيفة مساعدة في روضة أطفال، براتب معقول وتدريب مهني منتظم.
أما الأطفال، فقد تلقوا رعاية طبية ونفسية. أحدهم كان يعاني من سوء تغذية حاد، والآخر من تأخر في النطق. بعد أشهر قليلة، بدأوا يستعيدون عافيتهم، وابتسامتهم.
في أحد الصباحات، وقفت “سهام” أمام باب الروضة تمسك بيد طفلها الأصغر، وهو يحمل حقيبته الجديدة، وابتسامته تضيء وجهه. التفتت إلى إحدى المعلمات وقالت بابتسامة ممزوجة بالدموع:
“كنت عاوزة أهرب من الدنيا… بس الدنيا كانت مستنية تمدلي إيديها، وأنا ما شُفتش.”
حين نحكم على الآخرين… دون أن نسمعهم
قالت إحدى الجارات بعد أن حضرت جلسة توعية عن الأمهات المعيلات:
“كنا بنشوفها ساكتة ومهمومة، وافتكرناها غريبة الأطوار. لكن لو كنا سمعنا بس، كنا بكينا بدل ما نلوم.”
القصة لم تكن عن أم فشلت، بل عن مجتمع كاد أن يفشل معها. عن امرأة حُوصرت بين الجوع والخوف، دون أن يمد لها أحد يدًا، حتى سقطت.
رسالة لا بد أن تُسمع
“سهام” ليست وحدها. آلاف النساء يُخفين الانهيار خلف أبواب مغلقة. لا يطلبن شفقة، بل تفهّمًا. لا يحتجن نصائح فارغة، بل دعمًا حقيقيًا.
إذا عرفت يومًا امرأة تُكافح في صمت، فلا تكتفِ بالفرجة. استمع، اسأل، ساعد… أو على الأقل، لا تحكم.
هل مرت أمامك قصة مشابهة؟ أو سمعت عن أم تنهار في صمت؟ شاركنا القصة… ربما تكون كلمتك يد نجاة لشخص ما اليوم.