رسالة من مجهول… غيّرت مسار شاب كان على وشك الانتحار

في إحدى الليالي الرمادية، كان “م.ح”، طالب جامعي في سنته الأخيرة بإحدى كليات التجارة، يجلس على طرف السطح في البناية القديمة التي يسكنها. بدا كل شيء هادئًا في الخارج، لكن داخله كان صاخبًا بالحزن والانكسار.
لم يكن الأمر مجرد لحظة حزن عابرة، بل كان انهيارًا تامًا… في أقل من عام فقد والده، خسر وظيفته الجزئية التي كانت تعينه على المصاريف، وانتهت علاقته الوحيدة التي كان يرى فيها معنى للاستمرار. لم يتبقَّ له شيء سوى الأسى، والوحدة، وسؤال ينهش قلبه: “لماذا كل هذا يحدث لي؟”
خطة النهاية… لا أحد لاحظ شيئًا
قرر أن ينهي كل شيء. جلس على حافة السطح يراقب السماء، وكأنها تتواطأ مع حزنه بلونها الرمادي الكئيب. كتب رسالة قصيرة لأمه عبر الهاتف:
“أنا آسف… بس أنا تعبت. سامحيني.”
كان كل شيء محسوبًا بدقة، وكل خطوة مدروسة. لكن ثمة شيء صغير لم يُدرجه في خطته… ورقة صغيرة وُضعت بهدوء تحت باب شقته صباح ذلك اليوم. لم يلاحظها عند خروجه… لكن قبل أن يصعد إلى السطح تذكّر هاتفه، فعاد لإحضاره، وهناك رآها.
“لا تيأس… فأنت لا تعرف من يحبك في الخفاء”
كانت الورقة مطوية، كُتب عليها بخط يدوي بسيط، غير منمق، دون توقيع:
“أنا لا أعرفك… لكني أشعر أنك لا تستحق هذا الحزن. لا تيأس.”
قرأ الجملة مرة، ثم مرتين، ثم ثالثة. شيء في هذه الكلمات لمس أعماقه، وكأنها كُتبت خصيصًا له. سقط على ركبتيه، بكى بصوت مكتوم، ولم يستطع أن يكمل طريق النهاية الذي كان على وشك أن يسلكه.
لحظة التحول
بدلًا من رسالة الوداع، كتب على حالته في تطبيق المراسلة:
“أحيانًا يكفينا أن نُرى… ولو من شخص لا نعرفه.”
كانت تلك الجملة بداية مختلفة، بداية حياة جديدة. استيقظ صباح اليوم التالي ولديه إحساس غريب لم يشعر به منذ شهور… إحساس بالأمل، ولو خافتًا.
البحث عن صاحب الورقة
لم يستطع تجاهل السؤال: من كتب له تلك الرسالة؟ من شعر بحزنه؟ من لاحظه رغم أنه كان يظن نفسه غير مرئي في هذا العالم؟
بدأ يسأل الجيران، واحدًا تلو الآخر. الجميع أنكروا علمهم بالأمر، لكن سيدة مسنة في الطابق الثالث نظرت إليه بتردد ثم قالت:
“كنت بسمعك بتتكلم لنفسك كتير في السلم… وخفت تكون بتفكر في حاجة وحشة. فكتبت لك اللي قدرت عليه.”
رد عليها وعيناه تمتلئان بالدموع: “الورقة دي أنقذتني… حرفيًا.”
ابتسمت وقالت:
“كلنا محتاجين حد يطبطب علينا… حتى لو بورقة.”
من حافة السقوط إلى رسالة حياة
مرت سنوات منذ تلك الليلة، واليوم يعمل “م.ح” كمرشد نفسي تطوعي في إحدى الجمعيات الخيرية، يساعد الشباب الذين يشعرون أنهم على وشك السقوط.
في كل جلسة، يُخرج من محفظته الورقة القديمة – ذات الحروف المرتعشة – ويقول بابتسامة دافئة:
“أنا هنا بسبب دي… بسبب جملة بسيطة من شخص معرفهوش، بس شافني.”
هل كتبت يومًا رسالة قد تُنقذ أحدهم؟
نحن لا ندرك أحيانًا تأثير كلماتنا، أو نظراتنا، أو حتى وجودنا الصامت بجوار من يعانون. في عالم مزدحم بالضجيج، تكفي كلمة صادقة لتكون طوق نجاة.
ربما هناك شخص في حياتك الآن، لا يبوح بما يعانيه، لكنه ينتظر إشارة، أو جملة، أو لفتة بسيطة تقول له: “أنا شايفك.”
لا تنتظر أن تعرف تفاصيل القصة، ولا أن تفهم كل شيء. أحيانًا، أبسط الرسائل، وأصدقها، تترك الأثر الأعمق.
رسالة إلى كل من يوشك على السقوط
إلى كل من يشعر أنه على الحافة، تذكّر دائمًا:
- الظلام لا يدوم…
- والألم لا يُنسى، لكنه يُشفى
- والأمل وإن كان ضعيفًا، فهو كافٍ لأن تبقى
ولا تنسَ أن هناك قلوبًا طيبة تمشي بيننا، ربما لا تعرفك، لكنها تفكر فيك دون أن تدري.
“لا تتردد في كتابة رسالة لطف… قد تكون تلك الورقة البسيطة التي تُعيد شخصًا إلى الحياة.”