شاب ضرير استطاع تغير حياة قريته: قصة تحدٍّ وإلهام لا تُنسى

في قرية ريفية صغيرة تقع على هامش الحياة، وُلد شاب ضرير اسمه م.د. لم يكن يرى الضوء، لكنه منذ طفولته كان يرى ما هو أعظم: أمل لا ينطفئ، وعزم لا يلين. لم يعرف الطرق المعبدة، لكنه صنع دربه بين الأشواك، وقرر أن يتحوّل من شخص بحاجة للمساعدة إلى منارة يهتدي بها الآخرون.
بين العجز والمقاومة: نشأة في الظل والبصيرة
وُلد م.د لعائلة فقيرة، يعمل والده في الزراعة، بينما تسهر والدته على إخوة كُثر. لم تكن لديهم الإمكانيات لتوفير رعاية خاصة له، لكنه لم ينتظر أحدًا. كان يتعامل مع فقدانه للبصر كأمر ثانوي. الأهم عنده كان أن يثبت لنفسه وللعالم أنه قادر، وأنه لا ينقصه شيء.
في سن السابعة، حفظ القرآن الكريم بالكامل، دون أن يرى حرفًا واحدًا. كان يستمع لوالدته وهي تقرأ، يحفظ كل آية بنغمتها، ويعيدها مرارًا بصوت هادئ يُدهش السامعين. في المدرسة، لم تُخصص له أدوات بلغة المكفوفين، لكنه اعتمد على أذنه وذاكرته الحديدية، وتفوّق على أقرانه.
حلم يتخطى الحدود: أن يصبح نورًا لغيره
حين بلغ المراهقة، بدأ الحلم يتشكل: أراد أن يصبح معلمًا، لا فقط ليحصل على وظيفة، بل ليُحدث فرقًا في حياة من يشبهونه. كان يقول دائمًا: “ما فُقد بالبصر يُعوّض بالبصيرة”. التحق بكلية دار العلوم، يتنقل من محاضرة لأخرى حاملاً مسجلًا صغيرًا، يعود ليلاً ويعيد الاستماع، يحلل ويكتب بصدره ما لا تستطيع العيون تسجيله.
تخرج ضمن أوائل دفعته، ومع ذلك، رفضته المدارس الرسمية واحدة تلو الأخرى، بحجة إعاقته. ظل يبحث عن فرصة، لكن الأبواب كانت تُغلق في وجهه، حتى خيّل إليه أن حلمه سيتبدد.
اللقاء المفاجئ الذي غيّر مصيره
في أحد المساءات، شارك م.د في مقابلة إذاعية على محطة محلية، تحدث فيها بصوت هادئ عميق عن تجربته. صادف أن استمع له أحد رجال الأعمال من نفس المحافظة، وتأثر بكلماته وإصراره. تواصل معه، وعرض عليه تمويل فصل دراسي صغير في قريته، مخصص لتعليم الأطفال ذوي الإعاقة.
لم يصدّق م.د أن بابًا قد فُتح أخيرًا، فبادر بتنفيذ المشروع. استأجروا غرفة متواضعة داخل جمعية أهلية، وجلب خمسة أطفال كفيفين. لم تكن هناك معدات حديثة، فقط لوح قديم، كراسات سميكة، وصوت مُعلِّم يُدرِّس بقلبه قبل لسانه.
نقطة البداية: من غرفة ضيقة إلى حلمٍ يتوسع
خلال عامين فقط، ازداد عدد الطلاب، وأصبح الفصل الصغير مركزًا للتأهيل. بدأ الأهالي يثقون به، وراح الأطفال يحققون تقدمًا مذهلاً. تطور المشروع ليضم جلسات دعم نفسي، وورش مهارات حياتية، وتعليم بالموسيقى والدراما الصوتية.
لكن طموح م.د لم يتوقف. أطلق برنامجًا إذاعيًا محليًا أسبوعيًا بعنوان “أبصر بقلبك”، يستضيف فيه شبابًا من ذوي الهمم، ويتحدث عن التحديات والقصص التي لا تُروى. بمرور الوقت، اكتسب البرنامج شهرة، وتواصلت معه قنوات ومؤسسات لتقديم الدعم.
تحول إلى قدوة في قريته ومحيطه
اليوم، يُعرف م.د في محافظته كلها كرمز للأمل والعمل. لا يُنظر إليه كشاب كفيف، بل كرائد مجتمعي. تم تكريمه بجوائز عدة، إحداها “الشخصية الملهمة” في مؤتمر شبابي محلي. لكنه ظل يردد: “كل ما أفعله هو رد الجميل لناس وقفوا جنبي زمان”.
واحدة من القصص المؤثرة جاءت من أحد طلابه، الذي قال: “لم أكن أرى العالم، وكنت أكره صوتي، حتى جعلني م.د أؤمن بأن صوتي أداة، وأن بصيرتي هبة، لا نقمة.”
الرسالة التي وصلت إلى الجميع
قصة م.د تترك أثرًا في كل من يسمعها. إنها رسالة تقول إن التحدي لا يعيق الطموح، وإن العجز لا يعني النهاية. قد يكون الظلام حقيقيًا في الأعين، لكن الضوء يبدأ من الداخل.
وكمجتمع، نحن بحاجة لتغيير نظرتنا لذوي الإعاقة: أن نمنحهم الفرص، لا الشفقة. أن نستمع لأفكارهم، لا نحصرهم في ركن مظلم. فـم.د لم يحتج علاجًا، بل فقط فرصة واحدة ليُثبت أنه قادر على التغيير.
كلمة ختامية… إليك أنت
قد تكون الآن في مكانٍ ما، تشعر بأن الدنيا تضيق، وبأن الظروف أقسى من أن تُحتمل. لكن قصة م.د تقول لك بوضوح: لا شيء مستحيل. الإرادة الصادقة، ولو كانت وحيدة، كافية لأن تهزم كل قيود الواقع.
ابحث بداخلك عن نورك الخاص. لا تنتظر من يدلّك، بل اصنع دربك كما فعل ذلك الشاب الذي وُلد في ظلام، لكنه أضاء الطريق لقريته كلها.