كيف غيّر سائق تاكسي بسيط حياة مريض بالسرطان إلى الأبد؟

كيف غيّر سائق تاكسي بسيط حياة مريض بالسرطان إلى الأبد؟
شارك موضوع الخبر
Facebook Twitter Telegram WhatsApp
📢 شارك القصة مع من تحب

في مساء شتوي هادئ تغلّفه برودة خفيفة، كان عم ح. ، سائق تاكسي ستيني، يلف شاله الصوفي حول عنقه، يراقب الشارع من نافذته، يحتمي داخل سيارته القديمة من الرياح الباردة التي تمر عبر شوارع المدينة كأنها تبحث عن وجع جديد. كانت أيامه تتكرر بلا جديد: ركّاب متعجلون، زحام خانق، ونقود لا تكفي إلا بالكاد.

رحلة غير متوقعة

اقترب شاب في أوائل الثلاثين من عمره، يحمل حقيبة باهتة على كتفه، وقال بصوت فيه شيء من الانكسار: “لو سمحت، إلى محطة القطار… لكن لو في وقت نعدّي على الحسين؟”. نظر إليه عم ح. مليًا، لاحظ عينيه الغارقتين بالحزن، وسأل: “أكيد كل حاجة تمام؟”. ردّ الشاب بابتسامة حزينة: “رايح أودّع القاهرة… يمكن تكون دي آخر مرة بشوفها”.

حكاية موجعة على الطريق

أدار عم ح. المحرك وانطلقت السيارة، لكن قلبه كان منشغلاً بما سمعه. وسرعان ما بدأ الشاب يحكي قصته. اسمه م.خ.، يعمل نجارًا في ورشة صغيرة بإحدى قرى الصعيد، واكتشف منذ أشهر إصابته بسرطان الدم. حاول مقاومته، لكن فقره كان أقوى من عزيمته. لم يعد يستطيع تحمّل نفقات العلاج، فقرر أن يعود لقريته ويموت هناك، بصمت وكرامة.

صمت عم ح. للحظات، ثم قال له بنبرة دافئة: “ماتقولش كده، اللي خلقك مش هيسيبك، الخير بييجي فجأة، وما حدش يعرف منين ولا إزاي”.

زيارة إلى مقام الحسين

عند الوصول إلى مسجد الحسين، نزل م.خ. بهدوء ودخل للصلاة. جلس على عتبات المسجد بعد انتهائه، يرفع يديه إلى السماء ويبكي بحرقة. كان عم ح. يراقبه من بعيد، يشعر بشيء يهزه من الداخل، إحساس خفي يخبره أن عليه ألا يترك هذا الشاب يعود مهزومًا.

حين عاد م.خ. إلى السيارة، قال له عم ح.: “أنا أعرف دكتور بيشتغل في جمعية خيرية لعلاج السرطان، مش بعيد من هنا، خلينا نجرب، ما تخسرش حاجة”. لم يكن لدى الشاب ما يخسره فعلًا، فهزّ رأسه موافقًا.

بوابة الأمل

توجّها معًا إلى تلك الجمعية الخيرية. استقبلهم الطبيب بابتسامة صادقة، وطلب من م.خ. عرض أوراقه وتقاريره الطبية. وبعد مراجعة دقيقة، أخبره أن الجمعية ستتكفل بعلاجه الكامل ضمن برنامج خيري مدعوم من متبرع لا يريد الإفصاح عن اسمه.

كانت لحظة غير متوقعة. بكى م.خ. بحرقة، وهو يتمسّك بيد عم ح. قائلاً: “كنت راجع أموت… بس أنت رجعتني للحياة”.

بداية جديدة

منذ ذلك اليوم، تغيّر كل شيء. بدأ م.خ. رحلته العلاجية، وزادت حالته استقرارًا يومًا بعد يوم. لم يكن وحده أبدًا، فقد كان عم ح. يوصله بسيارته إلى المستشفى دون مقابل، يرعاه كما يرعى أبًا ابنه، بالكلمة الطيبة والدعاء الصادق.

توطدت العلاقة بينهما، وتحولت من لقاء صدفة إلى صداقة عميقة. لم يكن المال حاضرًا فيها، بل كانت إنسانية خالصة تنمو بصمت بين رجلين جمعتهما قسوة الحياة وفرّق بينهما العمر فقط.

مبادرة من رحم المعاناة

بعد أشهر، شُفي م.خ. جزئيًا، وبدأ يستعيد قوته. كانت أولى خطواته بعد التعافي هي تأسيس مبادرة صغيرة سماها “تاكسي الأمل“، هدفها نقل مرضى السرطان من القرى إلى المستشفيات الكبرى مجانًا. وأول من تم اختياره ليكون سائقًا رسميًا فيها؟ بالطبع، عم ح..

بدأت المبادرة بإمكانيات بسيطة، لكنها توسعت بمرور الوقت، بفضل تبرعات أهالي الخير، حتى أصبحت شبكة تضم عشرات المتطوعين، وعشرات المرضى الذين وجدوا يدًا تمتد إليهم في أصعب لحظاتهم.

الخير في أبسط الوجوه

قصة عم ح. ليست مجرد حكاية عن صدفة، بل عن إنسان لم يتجاهل الضعف حين رآه، ولم يقل “هذا ليس شأني”. لم يكن طبيبًا ولا غنيًا، لكنه امتلك قلبًا حيًا، فأنقذ حياة شاب يائس بكلمة، بموقف، بقرار صغير جعله كبيرًا في أعين الجميع.

رسالة لا تُنسى

في عالم يسير بسرعة نحو المصالح الفردية والمادية، يبقى عم ح. رمزًا لمن يضيئون الطرق للآخرين دون انتظار مقابل. قد يكون سائق تاكسي، لكنه قاد بسيارته إنسانًا من الظلمة إلى النور، من اليأس إلى الحياة.

وربما نحن جميعًا نحتاج في لحظة ما أن نكون عم ح. في قصة شخص آخر. ليس عليك أن تملك مالًا كثيرًا، فقط كن موجودًا، حاضرًا بقلبك، ولربما أصبحت سببًا في خلق أمل جديد.

الخلاصة

كل موقف بسيط في حياتك اليومية قد يحمل في طياته بداية جديدة لأحدهم. لا تستهين بأي فعل طيب. كن كما كان عم ح.… بسيطًا في ظاهره، عظيمًا في أثره.

📢 شارك القصة مع من تحب
64 / 100 نتيجة تحسين محركات البحث
شارك موضوع الخبر
Facebook Twitter Telegram WhatsApp

اترك تعليقًا أو أرسل موضوعًا أو قصة