في أوطاننا… هل المواطن مجرد رقم في دفتر الدولة؟

في أوطاننا… هل المواطن مجرد رقم في دفتر الدولة؟
شارك موضوع الخبر
Facebook Twitter Telegram WhatsApp
📢 شارك القصة مع من تحب

في كثير من الدول العربية، يبدو المواطن وكأنه كائن مجهول في معادلة معقدة، لا يُطلب رأيه، ولا يُستمع لصوته، ولا يُلتفت لمعاناته، وكأن وجوده مقصور على رقم بطاقة هوية يُستخدم عند الحاجة ثم يُنسى. فهل وصل الأمر إلى هذا الحد؟ وهل نحن مجرد أرقام في دفاتر الدولة، لا أكثر؟

غياب الشعور بالتمثيل الحقيقي

الدولة في المفهوم الحديث ليست سلطة فوقية تمارس الأمر والنهي، بل كيان يُفترض أن يعكس مصالح الناس ويمثلهم. لكن الواقع مختلف، إذ يشعر كثير من المواطنين أن الدولة لا تمثلهم، ولا تدافع عن مصالحهم، ولا تتحدث بلغتهم.

القرارات الكبرى تُتخذ دون مشاورة، والسياسات تُطبق دون شرح، وحين يتألم المواطن لا يجد جهة تستمع، بل يواجه جدرانًا صمّاء ومؤسسات تبدو مشغولة بأمور أخرى، لا تمت بصلة لواقع المواطن اليومي.

المواطن في الإعلام الرسمي: غائب حاضر

الإعلام الرسمي، الذي يُفترض أن يكون صدى لصوت الشعب، يظهر وكأنه في وادٍ آخر. يتحدث عن إنجازات لا يلمسها الناس، ويروّج لنجاحات لا يراها المواطن في طريقه إلى عمله أو حين يراجع مرفقًا حكوميًا.

الحديث يدور دومًا حول مشروعات ضخمة، وخطط تنموية طويلة الأمد، في حين يعاني المواطن من أبسط حقوق الحياة: الكهرباء، الماء، الرعاية الصحية، أو التعليم الجيد.

الخدمات العامة: مؤسسات بلا روح

عندما يدخل المواطن إلى مرفق حكومي، كثيرًا ما يُقابل بنظرات متجهمة، وتعليمات مبهمة، وإجراءات معقدة تُشعره وكأنه متهم لا طالب خدمة. مشهد الانتظار في الطوابير، والركض بين المكاتب، وعدم وجود إجابات واضحة، كلها علامات على أن الدولة لم تُصمم مؤسساتها لتُريح الإنسان، بل لتُرهقه.

الخدمة العامة لا ينبغي أن تكون مجرد أداء واجب، بل انعكاس لكرامة الإنسان وحقوقه. والمؤسسات الناجحة هي التي تضع الإنسان في قلب إجراءاتها، لا خلف الجدران الزجاجية والروتين الخانق.

الأرقام تُستخدم… لكن الإنسان يُهمل

في كل خطاب رسمي أو تقرير تنموي، يظهر المواطن كرقم: عدد سكان، نسبة أمية، معدل بطالة، مؤشر دخل. لكن هذه الأرقام لا تكشف الحقيقة الكاملة. فخلف كل رقم إنسان، وله اسم (أو رمز)، وله حكاية، وربما جرح لا يُرى.

المشكلة ليست في الإحصائيات بحد ذاتها، بل في اختزال الإنسان فيها. حين تتحول السياسات إلى جداول، وتتراجع القيم الإنسانية، تفقد الدولة جوهرها الأخلاقي، مهما بلغت من التقدم التقني أو العمراني.

غياب العدالة يغذي الشعور بالتهميش

لا شيء يهزّ ثقة المواطن أكثر من أن يرى أن العدالة تُطبق على البعض وتُستثنى من البعض الآخر. حين يُحاسب الضعيف ويُكافأ المتنفذ، يتولد في النفس شعور بالظلم، لا يُداويه شيء.

الفساد حين يصبح ثقافة لا استثناء، يُفقد المجتمع توازنه. وحين يشعر المواطن أن القانون لا يحميه، بل يُستخدم ضده، يبدأ في الانسحاب: من الشأن العام، من العمل المشترك، وربما من الحلم ذاته.

مشاعر المواطن: غير مرئية لكنها حاضرة

قد لا يُدوّن المواطن شكواه في دفتر رسمي، لكنه يحملها في صدره. يتحدث عنها همسًا في جلساته، أو صمتًا في عينيه، أو سخريةً على مواقع التواصل. هذا التراكم الصامت هو ما يشكل المزاج العام، الذي لا تقيسه استطلاعات ولا تعكسه نشرات.

ومن يظن أن تجاهل هذا المزاج العام بلا عواقب، ينسى أن كل تغيير كبير في التاريخ، بدأ بهمسة احتجاج، أو لحظة إحباط تحولت لاحقًا إلى موجة.

هل المواطن بلا صوت؟

في واقع الحال، المواطن ليس بلا صوت، لكنه مُتعب من الصراخ دون صدى. يريد أن يشعر أن كلمته مسموعة، وأنه ليس متفرجًا في وطنه، بل شريكًا فعليًا في رسم سياساته، وتقييم مسؤوليه، ومحاسبة من يعبث بمستقبله.

السكوت ليس دليل رضا، بل أحيانًا يكون إعلانًا للعجز، أو صرخةً مكتومة تبحث عن منفذ.

المطلوب: دولة ترى وتسمع وتحس

ما يُطلب ليس الكثير: دولة تنظر إلى شعبها بعين المساواة، تسمع آلامه قبل أن تُعلن مشاريعها، تحسّ بنبضه قبل أن ترسم خطواتها. لا نحتاج إلى مبانٍ شاهقة، بل إلى قيم ثابتة، تبدأ من احترام المواطن كإنسان، وتنتهي بوضعه في قلب كل سياسة وقرار.

المواطن لا يريد معجزة. فقط أن يُعامل بكرامة، أن يشعر أن وجوده ليس رقما، بل قيمة.

الإنسان أولًا… لا الأرقام

الواقع يُثبت كل يوم أن أعظم الدول ليست تلك التي تملأ الأرض مشاريع، بل تلك التي تملأ قلوب شعوبها ثقة. فلا اقتصاد يُبنى على التجاهل، ولا استقرار يصمد في ظل التهميش.

ما لم تضع الدولة المواطن في مركز اهتمامها، فإن كل خطط التنمية تظل ناقصة. فالوطن لا يُبنى بالإسمنت وحده، بل بالكرامة، والمشاركة، والإحساس بالانتماء.

وأخيرًا…

الدولة التي ترى شعبها، وتُحسّ بألمه، وتستثمر في وعيه وكرامته، هي الدولة التي تبقى. أما تلك التي تختزلهم في جداول وتقارير، فقد تخسر أعظم ما تملك: الإنسان.

📢 شارك القصة مع من تحب
64 / 100 نتيجة تحسين محركات البحث
شارك موضوع الخبر
Facebook Twitter Telegram WhatsApp

اترك تعليقًا أو أرسل موضوعًا أو قصة