الشارع العربي بين مطرقة الغلاء وسندان الصمت: إلى متى؟

الشارع العربي بين مطرقة الغلاء وسندان الصمت: إلى متى؟
شارك موضوع الخبر
Facebook Twitter Telegram WhatsApp
📢 شارك القصة مع من تحب

في زوايا العواصم العربية والأحياء الشعبية، في المقاهي الصغيرة ووسائل النقل العامة، يدور حديث واحد بلغة واحدة: الأسعار نار، والدخل لا يكفي، والآتي مجهول. لم يعد المواطن العربي العادي بحاجة إلى تحليل اقتصادي معقّد ليُدرك حجم الأزمة التي يعيشها. يكفي أن يُلقي نظرة على “قائمة الأسعار” اليومية ليُدرك أن الحياة لم تعُد كما كانت، وأن الكرامة باتت على المحك.

الغلاء: هل هو أزمة عالمية أم خصوصية محلية؟

صحيح أن العالم بأسره يواجه ظروفًا اقتصادية صعبة، من تبعات الحروب إلى آثار الأوبئة، ومن اختلالات سلاسل التوريد إلى ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء. ولكن في عدد من الدول العربية، يبدو أن هذه الأزمات قد ارتدت حلةً أكثر قسوة. فبينما ترتفع الأسعار عالميًا، فإن بعض الاقتصادات العربية تعاني من تضخم داخلي، وضعف في الرقابة، وتفاوت صارخ بين الدخل والمصروف.

قد تُعلن الأرقام الرسمية نسبًا محددة للتضخم، لكن الواقع مختلف تمامًا. كيلو الطماطم قد يُصبح فجأة رفاهية، علبة الحليب تُصبح عبئًا، وربما يصل سعر كرتونة البيض إلى ما يعادل نصف يوم عمل لدى بعض الأسر. المواطن البسيط لا يسأل عن السياسات النقدية أو آليات السوق، بل يتساءل ببساطة: لماذا لا أستطيع شراء أبسط احتياجاتي؟

أين الدولة من هذا كله؟

في الكثير من الدول، تُطلق الحكومات مبادرات دعم اجتماعي، وتُعلن عن مشاريع كبرى وتحفيزات، وتُبشر الناس بخطط طويلة الأجل. ولكن في المقابل، يشعر المواطن أن حياته اليومية تسوء أكثر فأكثر. هل الدعم فعّال؟ هل يصل حقًا إلى مستحقيه؟ ولماذا يشعر الأغلب أن المساعدات إما شحيحة أو مشروطة بطريقة تُذل المحتاجين؟

في أحد المقاهي الشعبية، سُئل رجل خمسيني عن حلمه، فقال: “نفسي أشتري لحمة لأولادي من غير ما أستلف.” خلف هذه الجملة البسيطة ملايين القصص المؤلمة. فكرامة الإنسان لا تكمن في الأرقام أو التصريحات، بل في قدرته على العيش دون استجداء، في أن يُطعم أسرته دون خوف من نهاية الشهر.

صمت النخبة: تواطؤ أم عجز؟

واحدة من أكثر الظواهر لفتًا للنظر في المشهد العربي الحالي، هي صمت كثير من المثقفين والنخب الإعلامية. فبدلًا من نقل صوت المواطن الحقيقي، اكتفى البعض بتكرار الخطاب الرسمي، وتبرير الأزمات بالمصطلحات التقنية: “مرحلة انتقالية”، “إصلاح هيكلي”، “أزمة عالمية”… بينما الناس تُعاني يوميًا من وجع لا يُقال.

هل هو خوف؟ أم تبلّد؟ أم تواطؤ ناعم مع سياسات تُقصي الفقراء؟ في كل الأحوال، النتيجة واحدة: المواطن يشعر بأنه وحيد، وأن معاناته غير مرئية في الإعلام ولا في خطاب السلطة ولا حتى في ضمير من يُفترض أنهم صوت الشعب.

المواطن بين التحمل والانفجار

منهم من يُحاول التحمّل والصبر، ومنهم من يُجرب التكيّف والتقشف، ومنهم من يُفكر بالهرب. الهرب من البلد، أو من الواقع، أو حتى من الحياة. كم من الأخبار قرأنا عن انتحار شاب بسبب الدين؟ عن أم باعت جهاز زفاف ابنتها لتشتري الدواء؟ عن أسرة قررت مغادرة وطنها بحثًا عن حياة أقل قسوة؟

هذه ليست حالات فردية بل مؤشرات على أزمة اجتماعية متفجّرة. حين يُصبح المواطن رهينة للغلاء، ويُطلب منه أن “يصبر” دون رؤية أفق أو حلول، فإن النتيجة غالبًا ما تكون أحد أمرين: الانهيار الداخلي أو الانفجار العام.

أين المعارضة؟

في خضم هذه العواصف، يفتقد المواطن العربي صوتًا يُمثّله بصدق. كثير من الحركات السياسية المعارضة تبدو باهتة، إما لأنها فقدت المصداقية أو لأنها مُقيّدة أو منقسمة. الخطاب المعارض لم يعد قادرًا على ترجمة الألم الشعبي إلى مشروع سياسي حقيقي. وفي ظل هذا الغياب، تنتشر موجات الإحباط، ويعود سؤال “هل من أمل؟” إلى الواجهة مجددًا.

هل هناك حلول… أم أن الأمل مات؟

الحقيقة أن الأمل لا يموت، ولكن لا يمكن تركه معلقًا في الهواء. لا بد من حلول عملية تُعيد للناس إحساسهم بالكرامة. بعض هذه الحلول ليس معقدًا: ضبط الأسعار عبر رقابة حقيقية، دعم الإنتاج المحلي بدلاً من الاعتماد على الاستيراد، تحسين الأجور بما يتناسب مع التضخم، محاربة الاحتكار، وتوجيه الدعم مباشرة إلى من يستحقه دون بيروقراطية أو إذلال.

كما أن جزءًا من الحل هو إعادة بناء الثقة بين المواطن والدولة، وبين الشعب والنخبة، وبين الشعوب وبعضها. لأن الجوع لا يُفرّق بين الدول، والكرامة ليست ترفًا بل حق أصيل.

رسالة أخيرة من الشارع العربي

حين يُصبح طبق الفول حلمًا، وزيارة الطبيب عبئًا، وشراء حذاء جديد لطفلك تحديًا، فاعلم أننا نعيش لحظة فارقة. الوطن لا يُبنى فقط بالمشاريع، بل يُبنى بثقة الناس في حاضرهم ومستقبلهم. نحتاج إلى خطاب يُخاطب الإنسان، إلى قرارات تُنصف الكادحين، إلى اقتصاد يضع الكرامة فوق الأرقام.

فكروا فيها: ما فائدة مشاريع عملاقة لا يشعر المواطن بثمارها؟ وما معنى أرقام النمو إذا كان الطفل لا يجد ثمن الحليب؟

أخبرونا في التعليقات: ما هي اللحظة التي شعرتم فيها أن الغلاء انتزع منكم شيئًا من كرامتكم؟ وكيف يمكن برأيكم أن نستعيد الإنسان في قلب السياسات؟

📢 شارك القصة مع من تحب
59 / 100 نتيجة تحسين محركات البحث
شارك موضوع الخبر
Facebook Twitter Telegram WhatsApp

اترك تعليقًا أو أرسل موضوعًا أو قصة