لمن تُربّى الأمهات؟ قصة امرأة كسرت قيد التقاليد من أجل ابنتها

لمن تُربّى الأمهات؟ قصة امرأة كسرت قيد التقاليد من أجل ابنتها
شارك موضوع الخبر
Facebook Twitter Telegram WhatsApp
📢 شارك القصة مع من تحب

في أحد الأحياء الشعبية… بدأت الحكاية

لم يكن في حسبان (ك)، وهي أم لطفلة صغيرة، أن تتحول حياتها الهادئة والمكررة إلى رحلة داخلية عميقة، عنوانها: “هل أكرر الظلم دون أن أشعر؟”. كانت تقطن في حي شعبي بسيط، وتعيش على إيقاع ما اعتادت عليه الأمهات من حولها: إعداد الطعام، تنظيف المنزل، ترتيب الأسرة، والانتباه ألا “تخرج الكلمة من فم ابنتها دون إذن”.

كانت تظن أن هذه هي الأمومة الصالحة، وأن الطاعة الكاملة هي مفتاح التربية الناجحة. ولكن شيئًا في داخلها كان يخبرها أن ثمة حلقة مفقودة… شعور بالاختناق لم تجد له تفسيرًا.

مرآة الماضي في ملامح الطفلة

كلما كبرت الصغيرة، بدأت الأم ترى انعكاسًا صريحًا لنفسها القديمة. ذات التردد، ذات النظرات الخائفة، ذات اللهجة المرتبكة حين تتكلم. كانت (ك) تقف أمام طفلتها وتشعر وكأنها تنظر إلى مرآة تعكس نسختها الصغيرة التي لم يُسمح لها يومًا بالاعتراض أو التعبير.

في تلك اللحظة، أدركت الأم أن الأمر يتجاوز مجرد تربية، ويتعلق بميراث خفي من القيود التي تنتقل من جيل إلى آخر. فهمت أنها لا تربي ابنتها فقط، بل تزرع فيها قيودًا لم تختَرها بنفسها، بل حملتها عن غير وعي من بيئة وتقاليد موروثة.

الحدث الذي غيّر كل شيء

في أحد الأيام، عادت الطفلة من المدرسة وعيناها ممتلئتان بالدموع. قالت بخفوت: “المعلمة رفضت تشركني في المسرحية، لأن صوتي منخفض وما ينفع أوقف على المسرح.” شعرت (ك) وكأن سكينًا انغرس في صدرها، ليس فقط لأن طفلتها انكسرت، بل لأنها شعرت أن بكاء الصغيرة هو صدى قديم لبكاء لم يسمعه أحد في ماضيها.

في تلك اللحظة، لم تكن فقط أمًا حزينة، بل كانت امرأة تستيقظ من سبات طويل. أدركت أن ما تمرّ به ابنتها الآن، هو تكرار حرفي لما مرّت به هي من قبل. وقررت في لحظة واحدة: لن أسمح لهذا الإرث أن يستمر.

بداية التغيير: الخروج من القيد الأول

لم يكن التغيير سهلاً ولا مباشرًا، لكنه بدأ بخطوة صغيرة: الفضول. بدأت (ك) تبحث وتسأل: كيف يمكنني أن أعلّم ابنتي التعبير عن نفسها؟ كيف أفتح لها أبواب الثقة، وأنا لم أملك المفتاح يومًا؟ التحقت بدورة أونلاين عن “التربية الإيجابية”، وبدأت تقرأ كتبًا لم تكن تدري بوجودها سابقًا.

كانت تسجل الملاحظات، وتقرأ في الليل بعد نوم الصغيرة، وتحاول تطبيق ما تتعلمه خطوة بخطوة. بدأت تقلل من الأوامر، وتستبدلها بالحوار. بدأت تسأل ابنتها: “ما رأيك؟” بدلاً من “افعلي ما أقول”.

الصدام الأول… مع الأسرة

لكن هذا التغيير لم يمر مرور الكرام. تعرضت (ك) لانتقادات قاسية من والدتها وأخواتها وجاراتها. قالوا لها إن “البنت طلعت وقحة”، وإن “المجادلة تعني قلة تربية”، وإن “ما حدا راح يرضى يتزوجها بهذه الطريقة”.

شعرت في لحظة ضعف أنها ربما تكون مخطئة، لكن قلبها كان يحدثها بلغة أخرى. رأت في عيون طفلتها شعلة بدأت تُشعل شيئًا جديدًا، مختلفًا، حرًا. وقررت أن تُكمل الطريق مهما كانت الكلفة.

نتائج بدأت تظهر

بعد أسابيع من التطبيق، بدأت النتائج تثمر. أصبحت الطفلة أكثر جرأة في التعبير، أكثر راحة في السؤال، وأكثر اتزانًا حين تقول “لا”. ذات يوم، شاركت في مسرحية مدرسية بسيطة، وقفت أمام زميلاتها وقالت بثقة: “أنا أحب صوتي، حتى إن لم يكن مرتفعًا.”

ذلك الموقف البسيط كان كافيًا لأن تذرف الأم دموعًا صامتة خلف ستار القاعة. لم تكن دموع فخر فقط، بل دموع شفاء. شعرت حينها أنها لم تُربِّ فقط ابنتها، بل بدأت تُعيد تربية نفسها.

رسالة من أم إلى أم

في حوار مع إحدى صديقاتها، قالت (ك): “لم يكن الأمر سهلًا. أن تربي ابنتك بطريقة جديدة يعني أن تواجه كل ما تربيت عليه، وأن تعيد النظر في مفاهيم اعتقدتُ لسنوات أنها من المُسلّمات. أنا لم أتحرر من كل شيء، لكنني على الأقل قررت أن أفتح الباب.”

وأضافت: “التربية ليست تلقينًا، بل إعادة بناء مستمرة. أن تفتح عقل طفلك على الخيارات لا يعني أن تفقد السيطرة عليه، بل يعني أنك تزرع فيه الثقة. وأنا اخترت أن أكون البداية لنهاية دائرة الصمت.”

وأخيرًا…

في مجتمعات كثيرة، ما تزال الأمومة تُختزل في صور تقليدية: الطبخ، الغسيل، والتضحية الصامتة. تُمنح الأم لقب “المضحية” كلما سكتت وتنازلت، لا كلما وقفت وقالت: “هذا لا يناسبني، ولا يناسب أطفالي.”

لكن القصة التي بدأت من حي شعبي، في غرفة بسيطة، أثبتت أن التغيير لا يحتاج إلى بيئة مثالية، بل إلى قرار واعٍ. قررت (ك) أن لا تكرر الظلم باسم الحب، وأن لا تزرع الخوف باسم الطاعة، وأن تمنح ابنتها ما لم تحصل عليه هي: الحق في أن تكون نفسها.

في النهاية، كل أم تحمل في يدها مفاتيح التغيير، وربما يبدأ العالم الجديد من مجرد سؤال: “هل أكرر ما عشته؟ أم أخلق قصة جديدة؟”

📢 شارك القصة مع من تحب
68 / 100 نتيجة تحسين محركات البحث
شارك موضوع الخبر
Facebook Twitter Telegram WhatsApp

اترك تعليقًا أو أرسل موضوعًا أو قصة