امرأة منسية في زقاق مزدحم.. حكاية صمود لا يُنسى

امرأة منسية في زقاق مزدحم.. حكاية صمود لا يُنسى
شارك موضوع الخبر
Facebook Twitter Telegram WhatsApp
📢 شارك القصة مع من تحب

في زاوية منسية من أحد الأحياء الشعبية، كانت تعيش امرأة ثلاثينية تُدعى (ك،ع)، لا تلفت الأنظار، لكنها كانت تحمل في داخلها قصة لا تُروى إلا للقلوب الناضجة. ترتدي الصبر كعباءة لا تسقط، مهما اشتدت عليها رياح العجز والخذلان. لم تكن تحلم بالكثير، فقط حياة مستقرة، دافئة، يسكنها قليل من الطمأنينة وكثير من الاحترام. لكن الحياة، كما اعتادت أن تكون، لم تُهْدِها ذلك بسهولة.

الزواج الذي بدأ بحلم.. وانتهى بوجع

تزوجت (ك،ع) بعد علاقة قصيرة، كانت فيها العاطفة هي الحكم، والقلوب هي الدليل. بدا شريك حياتها حينها لطيفًا، بارعًا في انتقاء الكلمات، مهذبًا في سلوكه. كانت تقول لنفسها: “لقد وجدت الأمان.” لكن لم يمر عام حتى انكشفت الحقيقة تدريجيًا.

بدأت النوبات: صراخ لا مبرر له، صمت طويل يخنق الجو، اختفاء متكرر من البيت، أعذار جاهزة عن ضغط العمل، وتعب الحياة. كانت في البداية تبرر له كل شيء، تواسي نفسها بأن “كل الأزواج يمرون بظروف”، لكنها كانت تكذب على نفسها. كانت تبرر ما لا يُبرَّر.

البيت الذي أصبح ساحة معركة

كل مساء، كانت تُعد العشاء على عجل، وعيناها تراقبان عقارب الساعة كأنها تستعد لمعركة غير معلنة. هل سيدخل مبتسمًا؟ أم عابسًا؟ هل سيكون هادئًا؟ أم تندلع شرارة من لا شيء؟ لم تعد تعرف من هو، ولا كيف تتعامل معه.

حاولت أن تجعل من البيت جنة رغم الفوضى، من العتمة نورًا، من الخوف طمأنينة. لكن كل مرة تتلقى فيها إهانة أو صفعة، كانت تخسر قطعة من نفسها. الضرب لم يكن يؤلم جسدها فقط، بل كان يحفر في روحها أخاديد من وجع لا يُرى. كانت تهوي تدريجيًا نحو الفراغ، ولا أحد يشعر.

الأمومة.. حين تصبح درعًا من نار

رُزقت (ك،ع) بطفلين، وبهما فقط كانت تستمد الحياة. كانت تنظر إليهما وكأنهما الأمل الوحيد الذي يمنعها من الانهيار الكامل. كانت تحاول أن تحميهما من كل شيء، من القسوة، من الصراخ، من آثار الدموع.

في إحدى الليالي، ضربها زوجها أمام أحد الأطفال. هربت إلى الحمام وأغلقت الباب، والدم ينزف من فمها، والطفل يبكي خلف الباب. سمعته يقول لابنه: “أمك تستحق الضرب لأنها لا تفهم.” تلك الجملة كانت كالخنجر. عرفت في لحظتها أن الخطر لم يعد يهددها وحدها، بل بدأ يتسرّب إلى نفوس صغارها.

في تلك الليلة، لم تنم. جلست تمسح دمها، وتفكر: هل سيكبر طفلها معتقدًا أن العنف هو الحل؟ هل ستصبح ابنتها يومًا ضحية أخرى، لأنها تعلمت من أمها الصمت؟

القرار الأصعب في حياة امرأة

أن تغادر امرأة منزلها، ليس قرارًا بسيطًا في مجتمع لا يرحم من تخالف المألوف. أن ترفع صوتها وتقول “كفى” يتطلب شجاعة نادرة. لكن (ك،ع) قررت أن تكسر الدائرة، أن تضع نقطة نهاية في صفحة مؤلمة.

ذهبت إلى جمعية تُعنى بحماية النساء من العنف، وروت حكايتها. كل فصل من القصة كان وجعًا على الورق، لكنها كتبته بوعي كامل. قالت للمساعدة الاجتماعية: “أنا لا أبحث عن زوج، بل أبحث عن نفسي الضائعة.”

استغرقت الإجراءات شهورًا، وقفت خلالها أمام القاضي حاملة طفلًا في يد، وملفًا بالشكوى في اليد الأخرى. وأخيرًا، صدر الحكم: “الطلاق للضرر.” شعرت حينها بأنها انتصرت، ليس على الرجل فقط، بل على الصمت، على الخوف، على المجتمع.

الحياة بعد الكسر.. هل تعود الروح؟

تعيش اليوم (ك،ع) في غرفة صغيرة مستأجرة. تعمل خياطة في النهار، وتدرّس أولادها ليلًا. ليس لديها رفاهيات، لكن عندها شيء لم يكن موجودًا في بيتها السابق: راحة البال.

تقول: “كنت أعيش في بيت كبير بجدران باردة، أما الآن فأعيش في غرفة صغيرة، لكنها دافئة بالحب.” لم تعد تنتظر من يحنو عليها، بل أصبحت هي الحنان. لم تعد تبكي في الخفاء، بل أصبحت تبني في العلن.

تعلمت أن القوة ليست في الصراخ، بل في القدرة على النهوض بعد كل سقوط. تعلمت أن الحب لا يعني التضحية بالكرامة، وأن الصبر لا يعني الرضى بالذل.

رسائل خلف الجدران

قصة (ك،ع) ليست قصة خاصة، بل صورة مكررة في كثير من البيوت. نساء كثيرات يعشن خلف جدران مليئة بالألم، يخفين جراحهن بابتسامات، ويقنعن أنفسهن أن الغد قد يكون أفضل. لكن الحقيقة تقول: التغيير لا يحدث بالانتظار، بل بالقرار.

في كل بيت ربما توجد امرأة تشبه (ك،ع)، تقف على الحافة، تنتظر كلمة واحدة: “كفى”. لكل من تقرأ هذه السطور: اعلمي أن الألم لا يقلّ بصمتك، وأن السكوت لا يحمي أبناءك، بل يزرع فيهم التشوه.

اختاري نفسك، حتى لو كنتِ وحدك. ابحثي عن قوتك، حتى لو كانت خافتة. أنت لا تحتاجين معجزة، بل تحتاجين أن تؤمني أنك تستحقين حياة أفضل.

الحرية ليست ترفًا.. بل حق

لم يكن ما فعلته (ك،ع) سهلًا، لكنه كان ضروريًا. لم تغادر لأنها أنانية، بل لأنها أحبت أبناءها بصدق، وأرادت أن يعيشوا في بيئة خالية من الخوف. لم تكن متمردة، بل كانت شجاعة. حاربت نظرات المجتمع، وهمسات الجيران، واختارت الكرامة على “السترة”.

في زمن تختبئ فيه النساء خلف أقنعة الصبر الزائف، تخرج (ك،ع) لتقول: “لستِ وحدك.. كوني كما تريدين، لا كما يُراد لكِ أن تكوني.”

📢 شارك القصة مع من تحب
53 / 100 نتيجة تحسين محركات البحث
شارك موضوع الخبر
Facebook Twitter Telegram WhatsApp

اترك تعليقًا أو أرسل موضوعًا أو قصة